اخبار

سناء حمد تثير الجدل من جديد

كتبت القيادية بالحركة الإسلامية سناء حمد مقالا تحت عنوان “السودان أولاً: دعوة للتجدد والتجديد” قائلة: أجد قيمة كبيرة في الحراك الفكري والنقاش الذي أثاره المقال الأخير، وبصدق لم أتوقع ذلك ، وهنا تكمن القيمة الحقيقية للكلمة ان تفتح مغالق الأبواب وتطلق العقول من عِقالها وتحفِّز أولى الألباب للتفّكر ، يقول مالك بن نبي : وإذا كانت الوثنية في نظر الإسلام جاهلية، فإن الجهل في حقيقته وثنية، لأنه لا يغرس أفكاراً، بل ينصب أصناماً، وهذا هو شأن الجاهلية.

فالوثنية عند بن نبي هي غياب الأفكار الحية، التي حين تغيب تظهر الأصنام .. والصنم يمكن أن يكون مادة محسوسة من حجرٍ او عجوة ويمكن أن يكون فكرة تحنط ويُطاف حولها !! المجتمع او الجماعة التي تعيش حالة من الوثنية الفكرية (الجمود) تفقد – في البداية ببطء وتدريجيا يتصاعد الأمر- الديناميكية اللازمة لبناء حضارة حقيقية، أو صناعة تحوّل حقيقي او قيادة إصلاح وتحول حقيقيان ، لأن هذا المجتمع او هذه الجماعة تجد نفسها في حالة عجز عن إنتاج أفكار معاصرة.

في المقال السالفِ ، انشغلت بردود الأفعال الإيجابية وبالتعليقات والإضافات البناءة التي وردتني ولساني يلهج بالشكر لهذه الثلة، بأكثر من الالتفات للهجوم والإساءة الشخصية، وقناعتي دوماً ان التركيز على المحتوى المنشور خطاً او خطاب يطوّر كلا الطرفين الناقد والمنتقد ويرفع الحوار لمستوى الفكرة ويجعله إسهام عام قابل للتطوير او التبني، اما الإساءات الشخصية فهي مما يحط بقيمة المسيء ويثير الخيبة في صدر من يطلع على كلِمه او يسمعه ولعل مرد ذلك أنه كان يُرجى منه افضل مما فعل.

ان الاهتمام بالأفكار والحوار الجاد في زمن يغلب عليه ضجيج الأخبار وثقافة Take away !، يصبح عملًا ثمينًا ومفتاحًا لبناء رؤية واعية، والاهم أن يقودنا هذا الحوار إلى آفاق جديدة، لا أن يعيدنا لأسر الماضي.
اتهم البعض المقال المشار اليه بتجاوز “الخط أحمر”، لم اعلم ان هناك خطوطاً حمراء غير تلك الخطوط الحمراء التي اقرها الله لنا وفصّلتها لنا السنة الكريمة. و الخط الأحمر الحقيقي الان عندي هو الوطن، وقناعتي ان الحوار الرصين بين أبنائه، للوصول لثوابت وطنية مهما اختلفت مشاربهم الفكرية، هو السبيل الوحيد لإنقاذ السودان من الصراعات المستمرة.

دعوتي لم تكن أبدًا لطمس الهوية أو التنازل عن المعتقدات، ولم تكن تدعو لذوبان التيارات في بعضها، واعلم انه بالنظر إلى المنطلقات الفكرية المجردة بينهما لا مجال لتعاون ولا شراكة. ولا تحالف ثنائي لكن إلا تستحق هذه الارض وهذا الوطن الاتفاق حوله ولأجله ، لقد كانت دعوتي وما زالت دعوة لإيجاد أرضية وطنية مشتركة – حلف فضول وطني – وقد كان حلف الفضول قديما بين بعض قادة مكة. وكأنو مشركين ، لأجل نصرة المظلوم ورد الظالم – أنعجز في رحابه أن نتفق على بضعة ثوابت وطنية بعد كل هذا الخراب والدمار والخيانة والتآمر ، ما زالت البلاد مهددةً في وجودها وكشعب مهدد في حياته ووجوده ، إلا يتطلب المنطق السليم حلفاً وطنياً يضم الاحزاب والجمعيات والأفراد ، و يتوافقون فيه لصالح الوطن وعلى اعادة بناء الدولة على أسس الحق والعدل والحرية.

قناعتي أن الإسلاميين ، وهم القوة الأكبر والأكثر تنظيماً بين النخب والشباب، يحتاجون اليوم إلى ميلاد سياسي وفكري جديد يمنحهم دفعة جديدة من الثقة بالنفس ومن الزاد ليكونوا جزءاً من مرحلة جديدة من تاريخ البلاد وفي مناخ جديد فرضته حرب الكرامة هذه وستفرضه اكثر المتغيرات المتوقعة في المنطقة والإقليم . ، هم بحاجة لصقل خبراتهم وبناء مقاربة جديدة و رؤية متجددة للمستقبل، عليهم أن يتجاوزوا حظوظ النفس والمعارك الصغيرة، ليكونوا دعاة ومصلحين قبل أن يكونوا سياسيين.

قناعتي الشخصية أننا في خضّم تحولات كبرى وهي تحولات كما كتبت عدة مرات خلال سنوات، قد تختفي فيها دول وتظهر دول جديدة ، وقد تبرز أيدولوجيات جديدة وتختفي أخرى ، وقد لاحظت ان الشيوعيون قد تلقوا المقال بردود فعِلٍ متفاوتة، تغلب عليها الحساسية الشديدة ، وهناك من حمله أكثر مما يحتمل ،،، وارجو اليوم أن يحتملوا رايي ، و أن يدركوا أن حالة الحزب اليوم – الذي يرفع شعار الاشتراكية بينما يتجه نحو الرأسمالية والسوق الحر – تمثل صورة بعيدة عن الاستقامة الفكرية. هم في مسيس الحاجة إلى نقاش حقيقي، بعيدًا عن ظلال العداء للإسلاميين أو أي تيار آخر ، فالشيوعية اليوم لم يبق منها إلا الاسم، ولم يعد لماركس وهيجل و انجلز ذاك البريق الذي كان لأفكارهم في النصف الاول من القرن الماضي ؛ لم تعد لهم من ساحة إلا السياقات الأكاديمية مع توما الأكويني والقديس غسطنطين !! . أثق أنكم بإطلاق نقاش واعي يمكن أن تصلوا إلى نسخة معاصرة، تتجاوز الهويات القديمة، وتواكب متطلبات السودان الحديث. وفي هذا السياق لا يمكن تجاهل اجتهاد الحزب في مؤتمريه الأخيرين في مراجعة وتوصيف علاقته بالدين ، في مراجعات فكرية معمقة ظهرت في مقالي الراحل كمال الجزولي “مَوْقِعُ الدِّيْنِ فِي فِكْرِ الشِّيُوعِيِّين السُّوْدَانِيِّين”) وهي حول علاقة الحزب بالدين ، وتمثل شهادة قيّمة على محاولة الحزب معالجة أزمته الفكرية بأناة وصبر، كما قال الراحل الجزولي ( ساعيًا لتحرير الدين من الاستغلال الطبقي والطغيان، ودفع الحضارة الإسلامية في مسارها الطبيعي نحو القرن العشرين ) مثل هذه المراجعات ثروة فكرية يجب أن تُقرأ وتُناقش بعقل منفتح.

ان التاريخ سلسلة من الأحداث المترابطة التي تتشكل وفق قوانين وأنماط تترقى وتتطور ، وهو ليس مجرد حوادث منفصلة، وهو يثبت أن الأيديولوجيا لا تُطبق في فراغ تاريخي. واليوم، هناك فراغ تاريخي على صعيد القوى السياسية والنخبة، ويجب ملؤه بأفكار متطورة أو قابلة للتطوير لإعادة صياغة المشهد الوطني وفق رؤية واعية ومسؤولة.

أما الأحزاب التقليدية ذات الطابع الأسري والطائفي، فهي مطالبة اليوم بمواجهة سؤال مصيري: هل تصلح صيغتها القديمة لمستقبل السودان؟ إن كان الجواب لا، فعليها أن تعلن البدائل سريعًا. العالم يتغير، والجولة القادمة من تاريخه ستكون عنيفة ومشحونة بصراعات على النفوذ، ولن تنتظر من يتلكأ أو يظل أسير الماضي.

رسالتي لكل التيارات ، ان القيادة ليست إدارة من يشبهك فقط، بل رعاية المختلفين جميعًا: المسلم والكافر، الصالح والطالح، القوي والضعيف. هذه معركة الفكر والتنظيم، وهي لا تقل عن معركة السلاح في أهميتها. ومن لا يحسن استيعاب التنوع، لن يقوى على حمل قيادة دولة . يجب أن يسهم الجميع، كل حسب جهده، في إعادة تأسيس الدولة المأمولة بعيداً عن الإرث الكلونيالي الذي ثبت فشله في دول ما بعد الاستعمار

السودان يحتاج اليوم إلى حلف عقلاء في فضاء وطني مشترك – حلف فضول وطني – يضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبارات حزبية . قد نختلف في الطريق، لكن إن فقدنا الوطن فلن يبقى خلاف يستحق النقاش. الخط الأحمر الوحيد الذي يجب أن نتفق عليه جميعًا: بقاء السودان حرًا، عزيزًا، قائمًا على الحق والعدل والحرية

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى