المنوعات والثقافة

قصة مهندس الطيران الذي رفض الإجلاء من السودان

كتبت.. آية وهبي

في أحد أحياء بلغراد الهادئة، يجلس مهندس الطيران سمير وهبي على شرفة منزله، يتأمل الغروب الذي يشبه غروب النيل في الخرطوم، ويهمس بكلمات أغنية الفنانة إيلاف التي حفظها عن ظهر قلب رغم أنه لا يتقن العربية:”بكره الهم يفوتنا ونرجع لي بيوتنا بحري وأم درمان”.

سمير، ابن السودان وصربيا، وُلد لأب سوداني وأم يوغوسلافية، تربى في أوروبا لكنه ظل يحمل السودان في قلبه كحلم لا يغيب. درس هندسة الطيران، وعمل في الخطوط الجوية الصربية، ثم انتقل إلى تاركو للطيران، حيث وجد نفسه أقرب إلى جذوره، أقرب إلى تراب الوطن الذي لم يعرفه صغيراً لكنه اختاره كبيراً، أقرب إلى أرض النيلين حيث جذوره.

حين اندلعت الحرب بالسودان في أبريل عام 2023، رفض الإجلاء. قالها بصدق:”لو كلنا طلعنا، ح يبنيو منو؟”، كان آخر صربي يغادر السودان، وكتبت عنه الصحف هناك، واستضافته القنوات كرمز للوفاء والارتباط العميق بالوطن الذي اختاره.

في بلغراد، يعيش مع زوجته صوفيا، طيبة القلب، التي أحبّت السودان من خلاله، وورث ابنهما ديڤيد ذلك الحب، رغم أن الخرطوم بعيدة، إلا أن دفئها يسكن البيت، صورهم تزين الجدران، بعضها من أيام السودان، وبعضها من حفلات صغيرة كانوا يقيمونها في المنزل، يغنون فيها بالعربية، بالصربية، وبالإنجليزية، لكن الحنين كان دائماً باللغة التي لا تحتاج ترجمة.

سمير وهبي ليس مجرد مهندس طيران، هو جسر بين عالمين، بين ثقافتين، بين وطنين، اختار أن يكون سودانياً بالقلب، بالموقف، بالذاكرة، وكلما غنى “الخرطوم أمان”، كان يزرع أملاً بأن العودة ممكنة، وأن الوطن لا ينسى أبناءه، مهما ابتعدوا.

وسيأتي اليوم الذي يخط المهندس سمير وهبي رحاله في بلد يجري عشقها في داخله ويعمل على تطويرها وهو يردد “حنبنيهو البنحلم بيهو يومياتي، وطن عاتي ووطن شامخ”.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى