لا شيء يبقى مخفياً إلى الأبد.
الإمارات،التي طالما اعتمدت على “هندسة الظل” في حرب السودان، تجد نفسها اليوم عاجزة عن الاحتماء وراء ستار الإنكار أو الحملات الدعائية المتوترة. ما كان يُدار في الظل يتحول الآن إلى العلن، وكأن الغضب الشعبي السوداني على “سوشيال ميديا” قد أزاح آخر حجاب.
في أبوظبي، ظهر عميلها “طه عثمان الحسين” علانية في زيارة الرئيس التشادي “محمد ديبي” الأخيرة، فيما رُصد نشاط مكثف لجنرال المخابرات السابق “عبد الغفار الشريف” في عمليات تجنيد المرتزقة من كولومبيا وأفريقيا.
في جنوب السودان، أحبط الرئيس “سلفاكير” مؤامرة انقلاب برعاية أبوظبي، قادها نائبه “بنيامين بول”. لم يكتف “سلفا” بعزل نائبه، بل جرّده من رتبته ووضعه قيد الإقامة الجبرية، وأعاد “توت قلواك” إلى موقع القرار الأمني بصلاحيات واسعة؛ الرجل الذي لطالما نظر إلى السودان كعمق استراتيجي.
تجلّى بوضوح ولاء الجنرال “توت قلواك” لأهله في السودان، حيث كان موقفه داعماً ومسانداً، وأدواره إيجابية، لكن “أبوظبي” أبعدته عن مركز القرار، واستبدلته بعميلها “بنيامين بول”، الذي حاول تسريح قوات دفاع جنوب السودان واستبدالها بمرتزقة أوغنديين، في محاولة واضحة لتقويض السلطة الوطنية.
أما في بورتسودان، فقد تجلّت نزعة سيادية صلبة في مواجهة الضغوط الخارجية. وعندما رفضت الحكومة السودانية منح “أبوظبي” موطئ قدم في مسارات الحل السياسي،بجانب إعلان الرئيس “البرهان” التعبئة العامة واستمرار القتال حتى تحرير آخر “شبر” في التراب السوداني، بدا الغضب الإماراتي جلياً، فتسارعت خطواتها نحو الانكشاف المباشر بدل العمل في الخفاء.
الولايات المتحدة، من جهتها، أربكت حسابات الإمارات، فقد حملت المراوغة الأمريكية الأخيرة، عبر تصريحات وزير الخارجية، روحاً ابتزازية واضحة، مجرّدة من أي رؤية استراتيجية، ومرتبطة أساساً بمحاولة جني مزيد من الأموال الخليجية تحت شعار “حماية الاستقرار”، فيما تتوسع رقعة النار في الإقليم.
أظهرت المملكة العربية السعودية موقفاً مختلفاً، دعماً واضحاً للسيادة السودانية، ما أربك الحسابات الإماراتية وقطع الطريق على محاولتها احتكار النفوذ، وأجبرها على تكثيف حضورها عبر وكلائها على الأرض، سعياً لبناء نفوذ جغرافي يعوّض الفشل السياسي.
ومن هنا، يمكن قراءة الإصرار على حشد قوات آل دقلو نحو بابنوسة، ليس مجرد معركة، بل حلقة ضمن سلسلة محاولات لفرض وقائع ميدانية تُستغل أوراقاً على طاولة الضغط.
لقد خلعت الأحداث الأخيرة عن “آل زايد” آخر ورقة توت كانوا يتدثرون بها، وأجبرهم الوعي الجمعي والغضب السوداني المتراكم على الخروج إلى ساحة المواجهة المكشوفة. لم يعد بالإمكان إدارة الصراع من وراء ستار، ولا الاحتماء بخطاب الإنكار أو الحملات الدعائية المرتبكة.
محبتي واحترامي







