اخبار

صحفي تركي يكشف تفاصيل ما حدث في زيارة البرهان إلى أنقرة

بقلم الصحفي التركي أوموت كاجري ساري تحت عنوان.. زيارة عبد الفتاح البرهان إلى تركيا: لحظة تحوّل سياسي استراتيجي وإدراكي.

لم تكن زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان إلى تركيا مجرّد زيارة دبلوماسية ثنائية، بل تحوّلت إلى محطة مفصلية أسهمت – وللمرة الأولى بهذا الوضوح – في إعادة تعريف القضية السودانية داخل تركيا، على المستويين السياسي والإعلامي، وبصورة أكثر واقعية واتساعاً.

  1. تحوّل واضح في إدراك النخب التركية للقضية السودانية

لفترة طويلة، كان يُنظر إلى ما يجري في السودان داخل تركيا من خلال روايات مشوشة:

هل هو صراع أهلي؟ انقلاب عسكري؟ نزاع قبلي؟

غير أن الخطاب السياسي الذي قدّمه الفريق البرهان من داخل تركيا أسهم بدرجة كبيرة في تفكيك هذا الالتباس، وفتح الباب أمام قراءة أكثر تماسكاً لطبيعة الحرب ودوافعها.

ورغم أن تنظيم اللقاء في أنقرة كان يمكن أن يكون أفضل من الناحية الفنية، فإن قوة مضمون الخطاب، وحُسن إدارة الحوار، وتوازن توزيع فرص الحديث، غطّت على هذه الملاحظات، ما يستوجب توجيه الشكر للسفارة السودانية والجهات التي ساهمت في إنجاح الفعالية، مع التطلع إلى مزيد من الانفتاح والحيوية مستقبلاً.

  1. اهتمام إعلامي وتحليلي غير مسبوق

منذ الساعات الأولى عقب اللقاء، انخرطت القنوات الفضائية التركية ومراكز التحليل في متابعة دقيقة وتحليل معمّق لما ورد في خطاب الفريق البرهان، خصوصاً إجاباته على خمسة أسئلة محورية شكّلت جوهر التغطية الإعلامية.

وقد أوضحت هذه الإجابات أن:

المبادرة التي قُدمت إلى مجلس الأمن ليست اجتهاداً شخصياً، بل مبادرة دولة.

هذه المبادرة متصلة بما قبلها من خارطة طريق والتزامات جدة.

الحكومة السودانية تسعى من خلالها إلى استباق أي مقترحات دولية محتملة، بما فيها ما قد يصدر عن الإدارة الأمريكية، وجعل الرؤية السودانية أساساً للتعاطي مع ملف الحرب.

  1. موقف صريح من “الرباعية الضارة” وبحث عن توازن إقليمي جديد

كان الفريق البرهان واضحاً وحاسماً بشأن ما يُتداول حول “الرباعية”؛ إذ شنّ هجوماً مباشراً على رباعية الإمارات، وتحدث صراحة عن محطات المواجهة مع محمد بن زايد وشخبوط بن نهيان.

في المقابل، طُرح تصوّر مغاير يتمثل في إمكانية تشكّل رباعية إيجابية تضم:

السعودية، قطر، مصر، وتركيا.

وقد أسهب البرهان في شرح ما وصلت إليه التفاهمات مع أنقرة، مؤكداً أن العلاقة مع تركيا تتجه نحو بناء استراتيجي طويل الأمد.

  1. العناوين الأمنية: تحذير لإثيوبيا وثقة في الحسم الداخلي

تطرق البرهان بوضوح إلى:

المخاطر المحدقة بالخاصرتين الشرقية والجنوبية للسودان، موجهاً تحذيراً صريحاً لإثيوبيا.

الانتقادات المتعلقة ببطء العمل العسكري في كردفان ودارفور، حيث أكد أن الجيش يتحرك وفق رؤية مدروسة، وأن هزيمة التمرد مسألة وقت ما لم يُلقِ السلاح ويخرج من جميع المناطق التي يسيطر عليها.

  1. ملف المساعدات الإنسانية وسيادة الدولة

انتقد البرهان بشدة بعض المنظمات الدولية التي تحاول – تحت غطاء إيصال المساعدات – محاصرة الدولة السودانية والنيل من سيادتها.

وساءلها بوضوح: «لمن تريدون إيصال المساعدات؟»

مشدداً على أن أولوية الدولة هي:

تحرير الأرض

إعادة المواطنين إلى مناطقهم

ثم توفير احتياجاتهم عبر مؤسسات الدولة

  1. الذكاء الخطابي: استدعاء التجربة التركية مع PKK

من أكثر النقاط التي أثارت إعجاب النخب التركية، قول البرهان:

«نريد أن نستفيد من تجربة تركيا في تعاملها مع حزب العمال الكردستاني».

وقد شكّل هذا التشبيه جسراً إدراكياً مهماً سهّل على الأتراك فهم طبيعة التحدي الأمني الذي يواجهه السودان.

  1. ما لم يُقل… وكان واضحاً

رغم عدم التصريح به علناً، كان واضحاً أن اللقاءات مع القيادة التركية:

تجاوزت مرحلة الفتور واللوم الصامت التي أعقبت 2019.

أسهمت في تصحيح الفهم التركي لطبيعة ما يجري في السودان، بعدما نجحت أطراف – خاصة من أبوظبي – في تسويق الصراع على أنه مجرد حرب أهلية.

أعادت بناء الثقة بعد أن كانت قد تضررت بشدة بسبب تعامل الحكومة الانتقالية السابقة مع الملف التركي بطريقة غير مهنية.

  1. دور محوري للمؤسسات الأمنية والدبلوماسية

لا يمكن إغفال الدور المهم الذي لعبه:

الفريق ميرغني إدريس في فتح قنوات الاتصال وبناء المصالح المشتركة،

والفريق مفضل في جهاز الأمن والمخابرات،

إضافة إلى الدور الحاسم الذي اضطلع به الفريق البرهان نفسه، عبر ترسيخ القناعة بضرورة الاستفادة من الدور التركي المركزي والمؤثر.

  1. الدبلوماسية العامة للسفارة السودانية في تركيا

كانت تحركات السفارة السودانية في تركيا مؤثرة للغاية:

جولات ميدانية في مختلف المدن التركية، لا في العواصم الكبرى فقط.

عشرات المشاركات الإعلامية والمؤتمرات المؤثرة.

تواصل مباشر مع نواب البرلمان التركي.

علاقات قوية مع منظمات المجتمع المدني والناشطين الحقوقيين.

وقد أثمرت هذه الجهود عن تحول السودان إلى أحد أبرز ملفات الرأي العام التركي، بل وشهدت تركيا – ولأول مرة في دولة إسلامية – احتجاجات أمام بعثات الإمارات، وهو تطور غير مسبوق.

الخلاصة

ما لم يقله الفريق البرهان صراحة، لكنه كان محسوساً بوضوح، هو أن:

تركيا باتت تُعدّ الشريك الاستراتيجي الأهم للسودان في المرحلة القادمة.

ويُتوقع أن يشكّل الميزان التجاري المتنامي بين البلدين مدخلاً لتعزيز التعاون العسكري، وربما الدفاع المشترك، في مستقبل قريب.

لقد مثّلت هذه الزيارة نقطة انعطاف حقيقية في مسار العلاقات السودانية التركية، سياسياً واستراتيجياً وإعلامياً.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى