
كتب الدكتور فراس الياس الباحث في الشؤون الأمنية الاستراتيجية في الشرق الأوسط
١. كان واضحا منذ بداية الحملة العسكرية الإسرائيلية على إيران، أن إيران كانت مجبرة على خوض هذه الحرب، ولم تكن ترغب أن تتوسع بها، أو ترفع سقف المواجهة إلى مستويات تستنزفها عسكرياً وبشرياً واقتصادياً، لأن كل تقديراتها الإستخبارية كانت تشير إلى أنها الهدف المقبل لإسرائيل.
٢.تدرك إيران أن عقيدة إسرائيل العسكرية حيالها تحولت منذ ٧ اكتوبر من الردع العسكري إلى الحسم العسكري، وان ما قامت به إسرائيل في غزة ولبنان، وسقوط نظام الأسد، لن يتوقف إلا عند حدود إيران، ولذلك كانت حريصة على أن تتعامل مع هذا التغير الكبير بحرص وانضباط كبيرين، بعيداً عن فرص الربح والخسارة، خصوصاً مع تعطل عقيدة وحدة الساحات ودمج الجبهات.
٣. أهم ما عملت عليه إيران خلال الحرب أن تتجاوزها بأقل قدر من الخسائر، ومحاولة فرض معادلة إستراتيجية مع إسرائيل تجعلها لا تذهب بعيداً في خياراتها العسكرية، ولذلك كانت حريصة على التصعيد العسكري مع إسرائيل، والإنضباط السياسي مع. ادارة ترامب، وإعادة ترميم المؤسسة العسكرية التي اصابها التصدع.
٤. كما أن خوض إيران للحرب بدون مظلة دولية، جعلها مكشوفة سياسياً وعسكرياً أمام الولايات المتحدة، ولعل هذا ما جعلها تبحث عن الحل السياسي وبالسرعة الممكنة، ذهبت إلى جنيف للتواصل مع الأوربيين، وتبادلت الإتصالات مع دول الإقليم، ومررت تصريحات غير تصعيدية للولايات المتحدة.
٥. بغض النظر عن الأضرار التي لحقت بالبرنامج النووي والخسائر الكبيرة في صفوف القيادات العسكرية والإستنزاف الذي تعرضت له قوتها الصاروخية، إلا أن المهم لها، أنها لا تزال قادرة على الوقوف على قدميها، وبغض النظر عن ما إذا كان النظام قد خرج قوياً أم ضعيفاً من هذه الحرب، إلا أنه نجح بشكل نسبي في إعادة ترميم شرعيته السياسية التي تآكلت بالداخل بسبب استمرار الحروب والعقوبات.
٦. أهم مكسب سياسي بوجهة نظري حققته إيران، هو أنها أعادت إنتاج نفسها، ذكرت الإيرانيين بأهمية إيران القومية والدينية معاً، وخلقت نوعاً من التماسك المكوناتي، واعطت دفعة كبيرة للهوية الوطنية، فحتى القوى المعارضة قدمت موقفاً مهماً، وهذا بحد ذاته أهم انتصار يبحث عنه المرشد الأعلى.
٧. وبالحديث عن المرشد الأعلى، كان واضحاً أنه ومع دخوله العقد التاسع من عمره، لن يغامر بمستقبل الجمهورية الإسلامية، وبدأ يفكر جلياً في كيفية إبعاد إيران عن أي خيارات صعبة وسيناريوهات مستحيلة، وإذا ما كان قد خسر فرصة إمتلاك النووي، فعليه أن يتمسك بفرصة بقاء الجمهورية الإسلامية كنظام وإيديولوجية ومشروع.
٨. أظهرت إيران قدرة كبيرة على المواجهة والتفاوض في آن واحد، وهذه إحدى الجدليات التي لا قد لا تستطيع أي دولة بالعالم القيام بها، وأظهرت إستقلالية واضحة في عمل المؤسسات السياسية والعسكرية، بحيث يضع الحرس الثوري خيارات تدميرية كالتهديد باغلاق مضيق هرمز وتهديد الوجود الأمريكي، وبنفس الوقت تتفاوض الخارجية الإيرانية على وقف إطلاق النار، وهذا بحد ذاته أربك كل دوائر صنع القرار في المنطقة والعالم، إلا من كان ينسق معها المواقف السرية.
٩. تدرك إيران أن ما تطمح إليه إسرائيل والولايات المتحدة عبر هذه الحرب هو إعادة تشكيل شرق أوسط جديد بدونها، أو حتى إزاحتها عن المشهد، وأن هناك قوى إقليمية تتحين الفرصة لملئ فراغها، ولذلك لابد من قطع الطريق على مثل هذه هذا السيناريو، حتى لو تم تصوير الأمر على إنه قبول مرير لوقف إطلاق النار، فإذا ما فرض عليها التخلي عن مشروع النفوذ، فلا يجب عليها التخلي عن مشروع الوجود.
١٠. تسويق إيران على أن ما حدث هو إنتصار، لم يكن مفاجئ، لأن فكرة الإنتصار بالنسبة لها ليست عسكرية بالضرورة، بل هي سياسية وهذا المهم، فطالما أن النظام لا يزال قائم، والخيارات لا تزال متاحة، والمرشد الأعلى لا يزال على رأس الجمهورية الإسلامية، فهذا المهم بالنسبة لها والباقي تفاصيل.
١١. ختاماً يمكن القول بأن وقف إطلاق النار بدون ضمانات قد يجعل الأمور تتصاعد من جديد، وقد يبحث الطرفان عن تعديل شروط التفاوض وتقوية الوضع السياسي عبر توجيه ضربات مؤثرة، ولكن قد لا توثر بشكل كامل على مسار الحل السياسي الذي يريده ترامب.