منى أبوزيد- هناك فرق – ضع نفسك في حذائى..!
“الآن تم رسم الخط الأحمر بين الوطنيين والخونة”.. د. محمد جلال هاشم..!
قبل سنوات كتبتُ مقالاً عن البكاء كأداة سياسية استعرضتُ فيه مواقف عالمية لحكام وسياسيين لجأوا إلى البكاء لكسب تعاطف شعوبهم، واستشهدتُ بمواقف محلية بكى فيها بعض السياسيين المنتمين إلى الحزب الحاكم في ذلك الحين..!
وكان من بين الأمثلة التي أوردتها مقطع شهير لفتاة كويتية كانت تُحدث العالم وهي تبكي عن معاملة الجنود العراقيين للأطفال المرضى في الكويت – أثناء حرب الخليج الأولى – وكيف أن تلك اللقطة الدامعة كانت من الأسباب الرئيسة في صدور أقوى الإدانات ضد حكومة العراق ..!
ثم أشرتُ في ذات المقال إلى ما قالت به بعض المصادر من أن تلك الفتاة الباكية ليست سوى ابنة دبلوماسي كويتي تلقت تدريباً حاذقاً علي إجادة البكاء المؤثر، وكان الهدف أن تحصد تعاطف العالم مع محنة الكويت، وكيف أن دموعها تلك قد نجحت جداً بما فشلت في تحقيقه أقوى الخطب السياسية ..!
لكن تلك الحكاية التي أوردتها بحسن نية أزعجت السفير الكويتي السابق في الخرطوم، فبعث إلى برسالة تتضمن عتاباً مهذباً على إيراد تلك الحكاية، ودعوة رسمية لزيارة السفارة للتنوير بشأنها..!
وقد شعرت بحرج بالغ لأنني تحدثت بشيء من التبسيط عن بعض معاناة شعب تعرض للغزو والاحتلال، وعوضاً عن وضع نفسي مكان الطرف الآخر وضعتُ نفسي في أحد المواقف التي يتم فيها استخدام التعبير الإنجليزي الشهير “ضع نفسك في حذائي”..!
وقد بدر ذلك مني على الرغم من وقوفي الكامل مع الكويت والسعودية – أيام حرب الخليج الأولى – ضد حكومة العراق التي كانت حكومة الإنقاذ تساند موقفها في ذلك الحين..!
نحن لا ندرك حساسية بعض المواقف ما لم نجرب مثلها، وقد جربنا الآن ظروف الحروب ومعاناة اللجوء، وعشنا خلالها ما يستدر عصي الدمع وما يستوجب التعاطف، دونما حاجةٍ منَّا إلى أي اصطناع..!
حرب الخليج الأولى كانت من المنعطفات الفارقة في حياة جيلي من أبناء المغتربين في السعودية، لأننا عشنا تفاصيلها على الهواء مباشرة. ولنا مع المخابئ المنزلية وصفارات الإنذار – ودموع زميلات الدراسة من الكويتيات اللاجئات إلى السعودية – مواقف وذكريات. في الوقت الذي كانت فيه حكومة بلادنا تقف مع الغزو العراقي تنديداً بالوجود الأمريكي في أرض الحرمين الشريفين..!
كان ذلك الموقف لؤماً سياسياً وتزييفاً للحق وتزييناً للباطل على طريقة المغالطات المنطقية من جانب حكومة الإنقاذ ومن جانب حكومات بعض الدول العربية التي اتخذت ذات الموقف..!
وما حدث بعد ذلك في حرب الخليج الثانية من غزو أمريكي للعراق – ومن جرم ارتكب في حق الشعب العراقي باسم الحصار، ومن تاريخ ظل يروى عن بطولة صدام حسين في مقاومته حتى لحظة إعدامه – لن يمسح عار غزو الكويت، ولن ينفي خطل المواقف التي اتخذتها بعض الحكومات العربية بدعوى الاحتجاج على التدخل الأمريكي..!
اليوم وبعد أن دارت دوائر الأيام وقامت قيامة الإنقاذ وتفرق دمها بين كتائب الإسلاميين – التي تقاتل مع الجيش في حربه ضد المليشيا – يتبنَّى البعض منطقها القديم مع غزو الكويت في مواجهة جيش بلادهم، ويبررون وقوفهم ضده بتحالفه مع الإسلاميين في محاربة المشروع الاستيطاني لمليشيا الدعم السريع..!
لو وضع هؤلاء القوم أنفسهم في حذاء الجيش هل كانوا سيرفضون وقوف كتائب سودانية معه ضد مليشيا يساندها دعم خارجي؟. ولو وضعت أنت نفسك في حذاء أحدهم هل كنت سوف تصدق أن الدعم السريع يقاتل جيش بلادك من أجل الديمقراطية..؟
لو كنت أنت مكاني ماذا كنت ستكتب عن أمثال هؤلاء، “ضع نفسك في حذائي”..!
صحيفة الكرامة