ايمن كبوش يكتب … ما بين الاعيسر وفيصل صالح.. !
على أيام النظام السابق، دعت إدارة الإعلام بجهاز الأمن والمخابرات الوطني، التسمية القديمة، دعت قادة الصحف من رؤساء التحرير والمديرين وكتاب الرأي، على مائدة إفطار رمضاني، وهي دعوة راتبة درجت عليها هذه الإدارة التي كانت تصفع الإعلاميين والصحفيين على خدهم الأيمن ليلا برقابتها القبلية ومصادراتها، ثم تربت على خدهم الأيسر بفعل يشبه الاعتذار.
عقب ذلك الإفطار الفخيم، أقيم ركن نقاش قصير دار فيه الحديث عن “حال البلد” ومستقبلها الموحش، انتهز استاذنا الكبير (حسين خوجلي) الفرصة وأراد أن يشكر إدارة الإعلام بالجهاز على الدعوة التي تنم عن تقدير كبير لقادة الرأي في البلد، ثم قال بايجاز: “ناس كتار مفتكرين العمل في الصحافة ده حاجة ساهلة وانو كتابة العمود دي حاجة كده زي شراب الموية.. لكن علي الإيمان لو أديتونا البلد دي شهر واحد أو شهرين نديرها ليكم زي ما قال الكتاب.. ونمشيها زي الساعة.. يا أخوانا كدي خليكم من كتابة العمود العايز ليهو مئات الكلمات وآلاف الحروف، البلد دي والله فيها مجموعة من الوزراء، الواحد فيهم لو كتب ليك درافت بتاع خطاب ساكت تخجل من صياغتو وعربيهو المجهجه بالأخطاء وتستغرب ده بقوهو وزير كيف”..! انتهى الاستاذ الكبير من حديثه المتحدي.. وضج الحاضرون بالضحك.. والقصة الموحية لا تؤطر لمبدأ “الصحفيين بيعرفو في كل حاجة”، حاشا لله، ولكنها تهندس الطريق لاعمال لجان الاختيار للخدمة العامة وبالخصوص الدرجات القيادية حتى يسود فينا المثل الشعبي السوداني الذي يقول: “الما بيعرف ما نديهو يغرف”.
وزارة الإعلام وكذلك الثقافة، قبل الدمج وما قبل الدمج، ظلتا طويلا في كشوفات وزارات الهامش، على عكس وزارات القطاع السيادي، حيث تعهد الاولى دائما للأحزاب الصغيرة عند الائتلاف وتسند احيانا كثيرة لوزراء (لا ليهم في الطين ولا في العجين) مثل حيدر قلوكما والفاتح تاج السر (وزيرا رياضة سابقين)، في بلد فيها دبلوماسي وكورنجي ماهر في قامة حيدر حسن حاج الصديق (علي قاقارين)، وحتى عندما أرادت الإنقاذ في آخر أيامها تصحيح هذا الخطأ الشنيع مستعينة بحسن اسماعيل وأبو هريرة حسين، عليه الرحمة، وروضة الحاج محمد، كانت روح النظام قد خرجت فلم يسعفهم الأجل المحتوم في أحداث أدنى اثر.
جاءت الفترة الانتقالية أو فترة ما بعد نظام البشير وحظيت وزارة الإعلام والثقافة بتعيين مثالي، أو هكذا بدأ لنا بوجود الاستاذ فيصل محمد صالح، ولكن للاسف لم يستطع احداث اختراق لأسباب لها علاقة بتلك الفترة وبفيصل محمد صالح نفسه، صحيح أنه من أبناء الكار إلا أن الذين يعرفونه جيدا يدركون أن من يفشل في كرسي (رئاسة التحرير) لن ينجح في كرسي الوزارة مهما تلقى من دعم وسند، لأن هناك سمات خاصة بالشخصية القيادية لم تكن تتوفر في الوزير الأسبق الذي خلفه أحدهم يدعى (حمزة بلول) وصوبوني إن اخطأت في الاسم.
أعود وأقول إن الاخ الاستاذ خالد اعيسر، بتعيينه وزير للثقافة والاعلام، يبدو خيارا موضوعيا ومنطقيا ويستحق الدعم والإسناد لأشياء عديدة من ضمنها أنه ابن المهنة وقد خبر دهاليزها على مستوى العالم وقد منحته السنوات خبرة إضافية يستطيع عبرها تجاوز محطة (اعيسر قناة النيلين)، إلى اعيسر رجل الدولة القادر على تغيير المعالم لكسر جمود الإعلام الحكومي وإعلام الأفندية.. فقط علينا أن نوطن أنفسنا على فرضيات أخرى تبدو منطقية وموضوعية أيضا، وهي أن مشكلة الحكومة السودانية القائمة منذ 11 ابريل 2019 لن يحلها تعيين الاعيسر في وزارة الإعلام والثقافة، ولا تعيين السفير علي يوسف في الخارجية، ستظل المشكلة كما هي ما لم تُعيّن حكومة كاملة ومتكاملة بقيادة رئيس للوزراء ووزراء اصيلين لا مكلفين، لإنقاذ البلاد من وهدتها الطويلة، غير ذلك لن يكون هناك أدنى اثر لمحاولات التعامل مع الدولة بالقطعة وكذلك استخدام المسكنات للأمراض المستعصية.