مقالات الرأى

ضياءالدين سليمان يكتب … لا تمنح الشرعية للخونة سعادة البرهان

لا أحد يستطيع الإنكار ان الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان بما يمتلكه من شجاعة استطاع ان يجنب البلاد أخطر مؤامرة في تاريخها الماضي وربما القادم ولا يزايد احد على أن البرهان بفضل قيادته استطاع الجيش ان يكون ضخرة تكسرت أمامها كل محاولات تفكيك البلاد ولو قدر لجيش اي دولة اخرى ان تواجه مثل ما واجهه الجيش في السودان بقيادة البرهان لما استطاع الصمود ولو ساعات دعك من سنين

الا ان ما يعيب البرهان هو إحترامه الشديد وتقديره الكبير للمجتمع الدولي وإهتمامه المتعاظم برضا الولايات المتحدة على حساب الاستماع لصوت الداخل، وكأن الشرعية تُستمد من الخارج لا من معاناة الشعب وتضحياته.

وربما يرى البعض ان هذه فطنة وذكاء من البرهان في التعاطي مع الموازنات الدولية الا ان هذا الامر يعكس إختلالًا في ترتيب الأولويات، حيث تُقدَّم الحسابات الدبلوماسية على المطالب الوطنية الملحّة.

هذا الأمر ظهر جلياً في توجيهات البرهان الأخيرة بالسماح لأي سوداني باستخراج أوراقه الثبوتية بما فيهم اولئك الذين ظلوا يحيكون المؤامرات ضد البلاد والوالغين في مستنقعات العمالة والارتزاق من القحاتة شركاء المليشيا المتمردة.

اعلم ان البرهان يريد أن يرسل رسالة للمجتمع الدولي مفاداها ان الدولة تمد ايادها بيضاء في سبيل إستعادة السودانيين لحياتهم وأمنهم وإستقرارهم الا ان الأمر يُثير أسئلة ثقيلة لا يمكن تجاوزها بالصمت أو التبرير، في لحظة هي الأخطر في تاريخ الدولة السودانية الحديث. فبينما تخوض البلاد حرب وجود، وتُسفك دماء السودانيين دفاعًا عن السيادة، يأتي هذا القرار والذي سيكون سبباً في ضعف مناعة الدولة واحداث خلل في معنى الانتماء الوطني للسودانيين الملتفين حول جيشهم في معركة الكرامة.

الأوراق الثبوتية ليست إجراءً إداريًا فقط، بل هي اعتراف قانوني وسياسي، ومنحٌ لصفة المواطنة الكاملة. وعندما تُمنح هذه الصفة لمن ثبت تعاونهم مع العدو أو تواطؤهم مع مليشيات مارست القتل والتهجير والتخريب، فإن الأمر لا يُقرأ إلا بوصفه تفريطًا في حق الضحايا، وتجاوزًا لمبدأ المحاسبة، وضربًا لأسس العدالة الانتقالية التي طال انتظارها.

البرهان، بصفته رأس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة، مطالب قبل أي شيء بحماية العقد الأخلاقي بين الدولة ومواطنيها. وهذا العقد يقوم على قاعدة واضحة: لا مساواة بين من دافع عن الوطن ومن تآمر عليه، ولا تسوية سياسية مع من اختار الخيانة طريقًا. وان هذا الامر لا يخدم الاستقرار الذي ينشده البرهان، بل يفتح الباب أمام فوضى قانونية وأمنية، ويبعث برسالة خطيرة مفادها أن الخيانة بلا ثمن.

ربما يرى البرهان ان قراره يفتح صفحة جديدة لكل السودانيين ويعطيهم الحق في المواطنة الا ان هذا الأمر يبدأ بإنصاف من صمدوا ودفعوا الثمن، لا بمكافأة من باعوا ضمائرهم. أما الدولة التي تُساوي بين الجلاد والضحية، فإنها تفقد بوصلتها الأخلاقية قبل أن تفقد هيبتها.

إن المطلوب اليوم ليس قرارات كهذه ، بل مواقف واضحة تتضمن محاسبة عادلة، وإجراءات قانونية صارمة، وتمييز لا لبس فيه بين المواطن والعميل. وعلى البرهان أن يدرك أن التاريخ لا يرحم، وأن القرارات المصيرية في زمن الحرب تُسجل كما هي، بلا نوايا حسنة ولا أعذار لاحقة.

فالدولة التي تريد أن تنتصر، لا تمنح أوراقها الثبوتية لمن عمل على تمزيقها.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى