ايمن كبوش يكتب … متى يصبح الدم السوداني غاليا ؟!
قلت له: لم يحدث لنا سابقا، ولن يحدث لنا مستقبلا، أكثر مما حدث لنا حاضرا.. ! ولكن لأن حسابات الربح والخسارة ما بين المواطن العادي البسيط المسكين الذي لا حول له ولا قوة، اكبر مما هي عند السياسيين وأهل السلطان، علاوة على أن المواطن البسيط ليس لديه شهادات ضمان للتعويض، بينما السياسي أو رجل السلطان، قادر ويستطيع (بشوية فهلوة) وزيارة لاحدى السفارات، أن يعوّض كل ما فاته من متع الدنيا ونعيم الحياة.
ليست سنة حميدة، ايها الناس، أن تقوم الحكومة السودانية الحالية، بما قامت به حكومة البشير أثناء صدمة احداث الاثنين الاسود، حيث سارعت إلى حماية مصالحها، ونشرت القوات في دورها ومؤسساتها الحيوية والاستراتيجية وتركت المواطنين في العراء وهم في حالة حرب وعداءات شخصية، حيث يقتل المواطن أخيه المواطن بلا أدنى أسباب موضوعية غير تلك الشائعة المنكرة التي قالت إن حكومة البشير قتلت (جون قرنق دي مبيور).
وواحدة من روايات المدينة الحزينة، ايضا، أن شابا في ريعان أيامه البكر، أظنه من آل نهار، كان يقود عربته مسرعا في شارع الهواء المقابل للحزام الاخضر، قام بدهس طفل من أبناء الجنوب، ثم قام بشجاعة نادرة بالتوقف لإنقاذ حياته واسعافه، غير ان الأمر لم يكن سوى حادث مروري بسبب القضاء والقدر، ولكن !!! هجم أهل الطفل على قائد العربة وازهقوا روحه في غمضة عين، بينما كانت المفارقة العجيبة في أن الطفل نجا من الموت… هذه للاسف الشديد ثأرت قديمة وتربية سلبية لن نجح الحروف المنمقة وأكاذيب الشعب الواحد والجغرافية والوجدان في تغطية سوءتها… لان هذا الجرح النازف يحتاج لنظافة وتعقيم ثم خياطة متينة حتى يبرأ.. نحن دولة.. والجنوب دولة.. بيننا الذي يجمعنا من مصالح، وبيننا كذلك الذي يفرق شملنا مثل مشاركة بعض أبناء الجنوب كمرتزقة بجانب المليشيا، لا ينبغي أن تغض حكومتنا الطرف عن ذلك بحديث عاطفي وهي تعلم بأن القيادة في الجنوب تتعامل مع الأمور بأسلوب (عصا قائمة وعصا نائمة) إذ فقدت البترول فلا تريد أن يفوتها التمرغ في أموال الامارات.
الان نتابع بقلق شديد ما يجري للشماليين في جنوب السودان، هذا الذي يجري خلفه ثأرات تاريخية من بعض المرضى، ولكن اهم ما يمكن أن يقال في هذا الجانب هو أن جنوب السودان الان، دولة منهارة واقتصادها في الحضيض بسبب الحرب الدائرة في السودان وتوقف ضخ البترول، يكفي أن موظف الدولة هناك لم يصرف راتبه منذ 14 شهرا وهناك الهشاشة الأمنية التي يمكن أن نرصدها من تحركات رئيس الدولة الذي يتكون موكب حمايته من مكتبه إلى منزله تحت حراسة كونفوي من المركبات القتالية عالية التسليح.. هذا هو الرئيس الذي يخشى على نفسه داخل دولته، فما بالكم بمواطن أعزل لا يستطيع أن يدافع عن نفسه في ظل دولة منهارة يريد مواطنها أن يأكل حتى من الشجر ولحوم البشر.
أعود وأقول أنني وددت بكل هذا الذي قلته أن أقول إن حكومتنا، أعزها الله، لم تتعامل مع ملف السودانيين العالقين بدولة الجنوب بما ينبغي أن تقوم به الدول، لا يحتاج المواطن السوداني لاي مطايبات سياسية، بل يحتاج للحسم والتعامل الذي يشبه الدول المحترمة، لا يكفي أن نقول لمواطننا (عليك ان تتعامل بحذر)، اي حذر هذا وهو لم يذهب إلى هذه الدولة بارادته، يجب أن تعمل الحكومة السودانية على إجلاء هؤلاء المساكين، مثلما عملت دول عديدة مع ملف الحرب في السودان، عملت على حماية مواطنيها واجلاءهم على وجه السرعة لأن حكومات هذه الدول تعمل بما كان يعمل به الفاروق عمر، وتعلم كذلك أنها مسؤولة مسئولية تامة أمام شعبها، دافع الضرائب ومسدد الفواتير الذي لا تستطيع أن تتركه للريح.. علما بأن وضع السودان الذي يجابه حربا منذ عامين، افضل أمنيا ومعيشيا من وضع جنوب السودان خاصة في الولايات الآمنة التي تقع تحت سيطرة القوات المسلحة.