(حديث السبت) يوسف عبدالمنان يكتب ….هل يعيد تعديل الوثيقة الدستورية إنتاج أزمة الحكم من جديد؟؟ ورئيس الوزراء المدني جنرال بلا جيش!! المؤتمر الوطني يدعوا للوحدة وهو منقسمٌ بين هارون ومحمود !!

1️⃣
تكتمت الحكومة على التعديلات التي طالت الوثيقة الدستورية، التي يفترض أن تمضي في حكم البلاد حتى إجراء الانتخابات العامة، وانتقال البلاد من واقعنا الحالي، إلى فضاء حكم مدني ديمقراطي منتخب من الشعب.
إن التكتم الذي فرضته الحكومة والأطراف الاخري من القوى المدنيه، على البنود التي طالتها التعديلات، فتحت باب التأويلات والتخمين والاجتهادات، من قبل داعمين ومتربصين، ومحرضين ومنصفين، وقد كذَّب وزير الاعلام والناطق باسم الحكومة الأستاذ خالد الأعيسر كل التسريبات التي جاءت بها بعض الجهات ونسبتها لمصادر مجهولة، ولكن الوزير نفسه سكت عن ما هي التعديلات التي تم إقرارها، ومن هم أصحاب التعديل هل ماتبقى من قوى الحرية والتغير المتشرزمة إلى عدد كبير من التيارات؟ ام كل القوى السياسية التي وقفت مساندة للحكومة تم اشراكها في تعديل الوثيقة الدستورية، ولكن السؤال هل البلاد الآن في حاجة إلى تعديل وثيقة ماتت بعد خروج الذين وقعوها مع المكون العسكري، الذي حكم البلاد منذ اندلاع الحرب وحتى الآن دون الحاجة إلى الوثيقة الدستورية، التي بتعديلها والذي يفترض الإفصاح عنه ستتجدد الخلافات مرة أخرى بين القوى السياسية والاجتماعية، وتضعف لحمة الوحدة الحالية، ويتبعثر الصف كما بعثرته تصريحات البرهان يوم لقاء السياسيين في بورتسودان، وهو يتسلم توصيات قوى الحرية والتغير الجناح الديمقراطي؛؛
السؤال من هو العبقري الذي أهدي البرهان فكرة تعديل وثيقة دستورية كلها عيوب و ثقوب وأدت إلى اندلاع الحرب الحاليه وهي التي جعلت السلطة حكرا على تحالف سياسي واحد وتركت بقية مكونات الشعب السوداني، باعتباره شعب بلا حقوق، بزعم انه كيزان والكيزان كيان لاينبغي أن تكون له حقوق في دولة المواطنه المزعومة والديمقراطية المفتري عليها !!
قبل أن تحسم القوات المسلحة المعركة المصيرية، وتسترد المدن المغتصبة، وتمسح دموع الثكالي، جاءت عبقرية البعض لفكرة تعديل الوثيقة الدستورية وهي خطل الرأي بعينه، وتجديفا في اليابس. والشعب السوداني الذي فوض البرهان كقائد عام لحسم الجنجويد وتحرير البلاد، لايزال هذا الشعب على عهده ولاتزال البلاد مغتصبةً والمدن تحت قبضة الجنجويد، لم يتحرر القصر الجمهوري ولامقر الداخليه ولا المالية ولم يعود مطار الخرطوم للخدمة، ولم يُطرد الجنجويد من جبل أولياء، ولاتزال ام درمان وكرري على وجه الدقة تدفن كل يوم عشرات الشهداء، لأن الجنجويد ينصبون مدافعهم في المويلح وسوق ليبييا. ولايزال مني اركو مناوي حاكم دارفور مقيماً في بورتسودان، ليس في قصر السلطان على دينار. ولاتزال نيالا البحير يتبول على رأسها إسماعيل يحي، والجنينه يحكمها قنيسطو وبقية عرب الشتات، ولايزال انسان جبال النوبة محاصرا من قبل الجنجويد، فهل يمثل تعديل الوثيقة الدستورية الآن أولوية؟ ام الأولوية في تحرير الأرض وتأمين أعراض نساء السودان من تخصيب الاشاوس كما فعلوا بتراجي مصطفى وهي راضية !!
الفريق البرهان نال تفويضاً من قبل الشعب، لا ليحكم فقط، وإنما لتحرير السودان، ومن يحرر السودان يرفعه الشعب لمقام القداسة السياسية. ولكن البرهان لايريد أن يكتب لنفسه اسما في التاريخ، ويحفر على صخر الحرب اخدوداً في ذاكرة هذا الشعب حتى يصبح البرهان رجلاً من رجال القدر، أو مبعوثاً لإنقاذ السودان، مثل عبدالناصر في مصر، وصدام حسين في العراق، أو بوانبيه في ساحل العاج، وجيمو كينياتا في كينيا، وأحمد سيكتوري في غينيام، وكوامي نكروما في غانا، واديميا في توجو، هؤلاء القادة رغم مايزعمه البعض عن دكتاتورية بعضهم، الا انهم حافظوا على بلدانهم، ونحن الآن أكثر حاجةً للبرهان العسكري، لا البرهان السياسي، كل الشعب – إلا بقايا الجنجويد، وحزب الأمة، والمؤتمر السوداني – يساندون البرهان ليعبر بهم، وينتصر في حرب وجودية، ولاينتظرون البرهان المفكر الديمقراطي، الذي يضع اساس حكم مدني، ودستور لم يأتِ به نهرو في الهند، ولا جوزيف تيتو في يوغسلافيا، ولم يهتدي إليه هواري ابومدين في الجزائر ..
2️⃣
مع الحديث عن تعديل الوثيقة الدستورية المعيبة، وهي وثيقة لا علاقة لها بالدساتير، ولكنها أقرب للإعلان السياسي، باعتبارها أول وثيقة في دساتير العالم تتحدث عن من يحكم السودان، وتسمى أطراف الحكم التيار الفلاني، والشريك العلاني، وقد تجلى بؤس من وضعوا الوثيقة في نصوص موادها. وإذا أذعن الشعب مكرهاً لتعديل الوثيقة، فغداً تنشب الخلافات، في منصب رئيس الوزراء، وبعض قادة العسكر يعاودهم الحنين إلى إعادة عبدالله حمدوك مرة أخرى، رغم مابدر منه عداوة للشعب السوداني، وربما هؤلاء اي أنصار حمدوك يتبعون بغير إحسان مقولة وزير خارجية الاتحاد السوفيتي عندما قررت بريطانيا وأمريكا التجديد للأمين العام للأمم المتحدة النمساوي كورت فالدهايم، وقد أمضى الرجل دورته الأولى وكان خادماً مطيعاً للولايات المتحدة. ولكن وزير الخارجية السوفيتي عندما طرح عليه الأمر قال (النعل القديم أكثر راحة للاقدام من النعل الجديد) وحمدوك رغم مايبديه من ظاهر العداوة للعسكر الا انه كان خادماً مطيعاً لهم، لايعصي أمراً لإبراهيم جابر ولا شمس الدين كباشي ولكن ليس مهماً من هو رئيس مجلس الوزراء القادم، وان كان الأمير عبدالرحمن الصادق المهدي، أو السفير دفع الله الحاج، أو السفير الحارث إدريس، أو السفير كامل إدريس أو الفريق الدكتور محمد الغالي، لكن المهم هل لرئيس الوزراء سلطة حقيقة، لإدارة شأن الدولة، ام يصبح مثل رئيس مجلس الوزراء الحالي، الذي بلا طعم ولا رائحة ولا سلطة مجرد سكرتير يمرر الأوراق.
ولذلك يبدوا جليا أن الانتصارات التي حققتها القوات المسلحة في الفترة الأخيرة وتقدم متحركات الصحراء نحو دارفور وتقدم الصياد نحو الأبيض قد حرك شيطان السياسية لالهاء الشعب السوداني عن واجباته، حتى تستعيد المليشيا أنفاسها وتعيد ترتيب صفها المبعثر، وتخوض حربها من جديد، ولن تفلح المليشيا في مخططها، الا بعد ان تنجح في إبعاد الشعب عن قيادة الجيش بتمرير مثل هذه المؤامرات الناعمة، وحقاً لا صوت الآن يعلو فوق صوت المعركة، واي فعل يؤدي لتمزيق وحدة الشعب يعد مرفوضاً..
3️⃣
خلال الأسبوع الماضي دفع حزب المؤتمر الوطني الجناح الذي يقوده مولانا أحمد محمد هارون بورقة مطولة لتشريح الواقع السياسي، الذي تعيشه البلاد، وقدم الحزب رؤية متماسكة في كيفية تجاوز السودانيين للإنقسام الحالي في صفهم، ودعا الحزب لوحدة أهل السودان، ولكنه اتكأ على ورقة قدمها قبل سقوط نظامه، لعلاج أمراض الساحة، ولكن تلك الورقة التي اجتهد مولانا أحمد هارون في صياغة مضماينها، لم تفلح وقتها في إيقاف كرة الثلج المتدحرجة، ولم تجد حتى من يقرأها، باعتبار الشعب قد يئس وقتها من إصلاح الحزب، في ظل وجود البشير على رئاسته ثلاثين عاماً كل شي يتجدد، الا هو باقياً مثل جبل الداير، وقد اعترف أحمد هارون في الورقة التي ربما لم يقرائها البعض، اما بداعي الكراهية أو الاحساس، بأن الماضي لا يعود وان الساحة في حاجة لفكر جديد أو بسبب الرؤية العميقة جداً في تشريح الواقع وقد أصبح كثير من الناس لايقرأ الا ماتيسر من التعليقات والأحاديث العابرة، ولاينكر الا مكابراً أن هارون قدم رؤية متماسكة جداً للعبور بالسودان من حالته الراهنه، ودعا أحمد هارون لوحدة القوى السياسية وتوافقها من أجل البلاد والنأي عن الإقصاء ولكن الرجل بدأ مثل داعية الحقوق الأمريكي في القرن الثامن عشر روبرت كسينجر، وهو يدعوا لعتق الزنوج الأرقاء، وتحريم وتجريم العبودية، وظل يصدح في المنابر بهذا الموقف الإنساني السامي الرفيع، ولكنه كان يستعبد تسعة عشر من الرقيق الاماء في بيته!!
أحمد هارون الذي يقود كيانا منقسما مابينه وإبراهيم محمود حامد وفي كل يوم تتصاعد الخلافات بينهما ويفشل كلاهما في رتق الفتق والتسامح مع الآخر، ويتصارعان في كيان خرج مهزوماً، من تجربة حكم امتدت لثلاثين عاما ولم يتعلم هارون ولا إبراهيم محمود من الشيخ حسن الترابي شيئاً، والترابي هو من ظل في كل مرحلة من مراحل تاريخ السودان ينهض بكيان التيار الإسلامي، كما حدث بعد أكتوبر 1964 حينما قفذ من تجربة الإخوان المسلمين إلى الحركة الإسلامية واستطاع فك الارتباط التنظيمي والسياسي مع حركة الإخوان المسلمين في مصر وبعد الانتفاضة 1985 نهض الترابي بالجبهة الاسلاميه القومية، وبعد الإنقاذ جاء بفكرة المؤتمر الوطني، الذي انتهت صلاحيته الآن ولكن هارون وإبراهيم محمود يخوضان معركة تكسير عظام في غير زمانها وكلاهما شبعا سلطة ونفوذا في سنوات الإنقاذ وبالتالي إذا كان هارون عاجزا عن توحيد حزب المؤتمر الوطني فإنه بالطبع أعجز بالقيام بمهمة توحيد الشعب السوداني، وطرح رؤية يصغي لها الناس وفي المثل العامي الكردفاني العميق (الما كسي أمه، ما بكسي زوجة أبوه) وحزب فشل في علاج أمراضه الداخلية، لن يكون مؤهلاً لعلاج أمراض السودان.
✒️ يوسف عبدالمنان..
22 فبراير 2025م
الكرامة..