
شرفنا الاخ الصديق الدكتور (مزمل ابو القاسم) جميعا بتدشين مبادرته، عالية القيمة والمقام، لدعم أسر الشهداء والجرحى في معركة الكرامة، وهي المبادرة التي حملت عنوان (عافية وطن) لتجئ إشادة البرهان به وبالمبادرة كقلادة شرف ومحبة على أعناق الصحفيين.. كثيرون لا يعرفون المزمل الا من خلال الرياضة ومناكفات الهلال والمريخ، ولكن نحن (عارفو فضله) ومبادراته، لم نفاجأ مطلقاً بهذه الخطوة العظيمة.
ما حدث بالأمس في بورتسودان في حضور البرهان، اعادني إلى مبادرة قديمة كان قد دفع بها الاخ مزمل في عهد الظلام والهمبتة واللا دولة، استبشرنا بها خيرا.. حيث كتبت عنها بتاريخ 22 يناير 2020 وقلت: (هذه الحكاية الباهرة.. تجسدها امرأة من عامة الناس، خلعت “دهيباتها” على قلتهن، ودفعت بهن في فرح عفوي جميل.. لدعم المجهود الحربي، ولكن الحكاية الكبرى في حياتنا السودانية اليومية، في تلك القصص المنسية من كتب التوثيق والتدوين.. عن ثقافة النفير، وكشوفات الزواج والمآتم، وختان الأنجال.. وإنجاب الأطفال.. يتحدث السودانيون بشيء من الجزع عن الأزمة الاقتصادية، ولكنهم لم يتركوا طريقا للدفع المقدم إلا سلكوه.. هم أنفسهم أولئك الذين يدفنون موتاهم صباحا.. ثم يطربون في المساء للمهرجانات والحفلات التي تزدحم بها الصالات الفضية والماسية والذهبية، يفعلون ذلك بيقين راسخ بأن الفرح والحزن “متباريات”، كما السترة والفضيحة.
)لو عندك خُت(.. هذه المبادرة التي طرحتها صحيفة “اليوم التالي” بقيادة ربانها الأخ الدكتور “مزمل أبو القاسم” لدعم الاقتصاد السوداني الذي يقبع من قبل سنوات في “غرفة الإنعاش”.. تعد مبادرةً نوعية كما جاء في”قيدومة” التبشير بها، فما من مشروع ينبغي أن يستنهض الهمم ويدق نوبة الصحيان في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ شعبنا، أهم من مشروع تحريك عجلة الاقتصاد، ذات الإطارات المعطوبة، فلتكن البداية بالمغتربين ولكن أعلم، علما يلامس اليقين، بأن كافة شرائح الشعب السوداني في الداخل من موظفين وعمال ورجال أعمال في كامل الجاهزية لتقديم “الشوباش” و”الختة” لملء قدح “زاد الحبان” الذي سيطرد “نعاس” الخزينة العامة.. دفعت الصحيفة بمبادرتها متأسية بما حدث في ميدان الاعتصام، وهو حدث لم يكن متجاوزا لما عُرف عن السودانيين من تعاضد وتراحم وتكافل وتسابقهم لإنجاح المبادرات التي تبدأ بمساهمات بسيطة في البيت والحي والمحلية والولاية، وها هو الوطن يفتح الأبواب والنوافذ عبر نداء “لو عندك خت” لمعالجة الاختلالات الكبيرة التي يعيشها اقتصادنا الذي يحتاج لمبادرات خلاقة وجادة، تحتاج هي الأخرى – أي المبادرات – للثقة والإرادة.. فمتى توفرتا استطعنا أن نصل إلى غاياتنا الكبيرة.
بدأ صندوق “تحيا مصر” بمبادرة شعبية مثل التي أطلقتها “اليوم التالي”.. فنجحت مصر من خلال التداعي الشعبي، عطفا على الجراحات الحساسة والدقيقة التي عكفت عليها الدولة.. من إنقاذ اقتصادها الذي شارف على الانهيار في فترة ما بعد الثورة، بينما يعد الآن من أقوى الاقتصاديات في أفريقيا، إن لم يقترب فعليا من كشوفات الأكثر نموا في العالم.. وهذا ما يؤكده تعافي الجنيه المصري الذي أدهشني بسطوته الكبيرة.. المبادرات الخلاقة تبدأ صغيرة ثم تكبر، ولابد من بلورة هذا المشروع في شكله النهائي حتى نضمن الانطلاقة القوية في ظل تسارع الزمن وتلاحق الاحداث.. وها نحن “فيها”.. نملك القدرة على إزاحة الجمود وتحريك سكون بحيرة طبرية.. بسواعدنا القوية.)
انتهى ما كتبته في تلك السنة الكبيسة العجفاء، عن واحدة من مبادرات الاخ مزمل ابو القاسم وهو فينا وبينا محل شرف واعتزاز وفخر.. لله دره.