مقالات الرأى

د. مزمل أبو القاسم يكتب … بيان الرباعية.. هيهات!!

  • قبل أن أن نتطرق إلى التناقضات العديدة التي حواها بيان الآلية الرباعية، وقبل أن نشمر للخوض في تفاصيله ونبيِّن تدخله السافر في الشأن السوداني وانتهاكه المزري للقرار الوطني، لابد أن نذكر أولاً أن البيان لم ينتج عن اجتماع لوزراء خارجية الدول الأربع (أمريكا والسعودية ومصر والإمارات)؛ بل صدر وفقاً لما أسماه البيان (مشاوراتٍ موسعةً بشأن النزاع في السودان)، وذلك عقب فشل الرباعية في عقد الاجتماع الشهير الذي دعت إليه الخارجية الأمريكية في خواتيم شهر يوليو الماضي!
  • وضح من البيان المتضارب أن كل دولة من الدول الأربع حرصت على إدراج شواغلها واهتماماتها فيه من دون أن يتم تشذيبه وتنسيقه لإزالة التباينات الواضحة في مواقف الدول الأربع، حيث أمّن البيان في البدء على أن (سيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه ضرورية لتحقيق السلام والاستقرار)، والبند المذكور يعني ببساطة عدم اعتراف الدول الأربع بما يسمى ميثاق وحكومة تأسيس، ورفضها ضمنياً للخطوة التي أقدمت عليها قيادة المليشيا بإعلان ما يسمى (حكومة السلام)، فهل تستطيع دولة الإمارات منفردةً أن تؤمن على ذلك البند، وهي المصنفة لدى المجتمع الدولي كأكبر وأهم داعم للمليشيا في السودان؟
  • أكبر وأخطر تناقض وقع فيه بيان الرباعية أنه شدَّد في بنده الأول على (سيادة السودان)، وأمَّن في البند الرابع على أن (مستقبل الحكم في السودان يقرره الشعب السوداني)، ثم انثنى لينقض غزله بالخوض في تفاصيل الحكم، والتدخل بشكل سافرٍ ومهين في الشأن السوداني بتحديده كيف يُحكم السودان، ومن يحكمه، ويضع آجالاً زمنية لعملية الانتقال (تسعة أشهر)، ويحدد هوية من يشاركون في العملية السياسية، ومن يُعزلون عنها، فإذا لم يكن كل ذلك تدخلاً سافراً وانتهاكاً تاماً لسيادة السودان.. فكيف يكون التدخل والانتهاك إذن؟
  • أقرّ البيان بأن (الدعم العسكري الخارجي للأطراف المتحاربة في السودان يؤدي إلى تأجيج النزاع وإطالة أمده ويسهم في زعزعة الاستقرار الإقليمي)، وطالب صراحةً بوقفه واعتبر ذلك أمراً أساسياً لإنهاء النزاع، فهل ستلتزم الإمارات بتنفيذ ذلك البند؟
  • هل ستتوقف الإمارات عن تزويد المتمردين بالسلاح والعتاد الحربي؟ علماً أن المعلومات التي تفيد تورطها في دعم المليشيا بالسلاح والعتاد الحربي لم تصدر عن الحكومة السودانية وحدها، بل أتت من عشرات المصادر والجهات الأممية والدولية والإقليمية، وعلى رأسها تقرير لجنة الخبراء المعنية بدارفور في الأمم المتحدة، ومن وزارة الخارجية الأمريكية، ومن عشرة أعضاء في الكونغرس الأمريكي، ومن وسائل إعلام دولية عديدة، على رأسها صحيفتا نيويورك تايمز الأمريكية، والغارديان البريطانية، ومن مختبر الأبحاث الإنسانية لجامعة ييل للصحة العامة، الذي أصدر تقريراً موسعاً في 16 يناير 2025، أكد فيه استمرار الإمارات في نقل الأسلحة للمليشيا على الرغم من تأكيداتها السابقة بأنها توقفت عن ذلك، وكشف التقرير عن وجود طائرات مسيرة من طراز (UAVs) متقدمة في مطار نيالا، الذي تسيطر عليه المليشيا، وأكد التقرير أن الإمارات وفرت تلك الطائرات المسيرة للمليشيا في الفترة من 9 ديسمبر 2004 وحتى 14 يناير 2025.
  • كذلك أشار التقرير إلى “أن شركة ADASI الإماراتية، التابعة لمجموعة EDGE Group، وقّعت في عام 2024 اتفاقاً مع شركة Cobtec الصينية لإنتاج Sunflower-200 مع إمكانية إدخال تعديلات عليها.. وهذه المعلومة تعزز (بحسب التقرير) الشبهات حول دور الإمارات في تسهيل وصول تقنيات متطورة إلى الميليشيا، خاصة وأن الطرازات التي ظهرت في صور نيالا تتوافق مع تلك التي دخلت في نطاق الترخيص الإماراتي”، فهل ستستجيب الإمارات لما ورد في البيان الذي شاركت في إعداده عبر وزير خارجيتها وتكف عن دعم المليشيا الذي أثبته تقرير جامعة ييل؟
  • لا يمكن للرباعية (أو أحد أعضائها على الأقل) أن تكون طرفاً أصيلاً في الحرب السودانية ثم تدعي أنها تملك الحل للسودان وأهله، وتزعم أنها تريد إنهاء الحرب وتوفير السلام والاستقرار لأهل السودان!
  • من يُسعّر الحرب ويمد المليشيا بالأسلحة النوعية الفتاكة كي تستخدمها في قتل وتعذيب وتهجير ملايين السودانيين وتدمير البنيات الأساسية للدولة السودانية (بقصف مرافق للكهرباء ومخازن الوقود والخدمات)، لا يحق له أن يدعي الحرص على سلامة السودان وأهله، ولن يصدق أحد أنه حريص على إنهاء الحرب وتقليص معاناة السودانيين منها.. لأن حبل الكذب قصير، علماً أن من نعنيه لم يبرع حتى في الكذب، ولم يجتهد في إخفاء أثره ونزع بصماته عن مواقع الجرائم المروعة التي ارتكبها في حق الملايين من أهل السودان!
  • لم يترك بيان المتناقضات (الشبيه بِقفَّة الحلبيَّة) للحكومة السودانية مجالاً لقبوله، وبالطبع لن نتردد في تأكيد رفض الغالبية العظمى من السودانيين له، سيما وأنهم رأوا وعايشوا حصاد الرباعية القديمة في بلادهم، وشاهدوا إلى أين قادتهم مساعيها الرامية إلى فرض حلٍ سياسي مستورد، إذ كانت محصلته حرباً ضروساً أهلكت الحرث والنسل، ودمرت وحرقت بلاداً يُراد لها أن تُحكم بعملاء السفارات وأجهزة الاستخبارات.. وهيهات!

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى