مقالات الرأى

السعودية في مواجهة الطموح الإمبراطوري للإمارات في السودان

فيما ارى- عادل الباز- السعودية في مواجهة الطموح الإمبراطوري لأبوظبي

1

المحادثة التي أجراها الرئيس البرهان مع وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان الأسبوع الماضي، والتي طالب فيها وليّ العهد السعودي بالتدخّل لدى ترامب أثناء زيارته لواشنطن في يوم 18 من الشهر الجاري، للضغط على الإمارات لإيقاف عدوانها على السودان. ومن ناحيتها — بحسب ميدل إيست آي التي سرّبت خبر المكالمة — أكدت أن وليّ العهد وافق على الفكرة ووعد بالحديث مع الرئيس الأمريكي.

2

تشي هذه المحادثة بما حملت من وعود وما سيترتّب عليها من نتائج بأن السعودية على أبواب تحوّل استراتيجي في موقفها من الحرب، وذلك لعدة عوامل ظلّت تتفاعل في صمت. فمنذ وقت ليس بالقصير بدأت السعودية في إعادة تقييم موقفها من الحرب في السودان، غير أنّ التحركات البطيئة للدبلوماسية السعودية أحدثت فراغًا تمدّدت فيه الإمارات وأكسبها نفوذًا ووضعًا مميزًا، سواء في منطقة القرن الإفريقي أو منطقة دول الساحل في الغرب. كما أدى هذا الفراغ إلى دخول قوى دولية أخرى — كروسيا عبر “أفريكا كوربس”، والصين عبر ممرات التجارة — لتعزيز وجودها في البحر الأحمر، وهي تطورات ترى فيها الرياض تهديدًا مباشرًا لنفوذها التقليدي في المنطقة.

3

أدركت السعودية مؤخرًا خطورة المشروع الإماراتي الإمبراطوري الذي يجري تأسيسه على حدودها الغربية، وذلك على ضوء التحوّلات الجذرية للصراع الجاري في السودان؛ إذ لم يعد مجرد صراع محلي بين جنرالين، ولا صراعًا بين الدولة السودانية وقواتٍ تمردت عليها، بل صراعًا جيو–استراتيجيًا متعدد الأقطاب على النفوذ والموارد والممرات البحرية.

تبيّن للسعوديين، بصورة لا تقبل اللبس، أن المشروع الإمبراطوري لأبوظبي يتحرك بطموح مفتوح لا سقف له، مستندًا إلى أربع ركائز جوهرية:

الأولى: تسليح الميليشيات واستقدام المرتزقة لإنشاء جيوش موازية وحماية الاستثمارات الإماراتية في إفريقيا، والتي تجاوزت 110 مليارات دولار وفق فايننشيال تايمز.

الثانية: استخدام هذه القوى كأداة ابتزاز عسكري وسياسي، ليس فقط ضد دول المنطقة، بل حتى ضد جيران الخليج مستقبلًا.

الثالثة: السيطرة على الموارد الإفريقية — زراعة، ذهب، معادن — ثم التحكم في الموانئ ومسارات التجارة غير الرسمية كما يجري في الذهب الإفريقي.

الرابعة: التمدد الجغرافي–العسكري عبر البحر الأحمر والقرن الإفريقي وصولًا إلى ليبيا وتشاد، بما يشكّل طوق نفوذ يهدد التوازن الإقليمي ويضاعف قدرة الإمارات على التحكم في الممرات الحيوية.

4

ويصطدم هذا المشروع الإماراتي القائم على العدوان والنهب وتوظيف الميليشيات بالصميم مع الرؤية الاستراتيجية للمملكة العربية السعودية في إفريقيا، حيث تعتمد الرياض نهجًا يقوم على ترسيخ الاستقرار في بيئة استثماراتها ثم بناء شراكات دولية راسخة.

فالمشاريع السعودية الكبرى في القارة تقوم على شراكات إنتاجية مع الصين وتركيا، بما يعكس توجهًا للتنمية وليس الهيمنة.

كما تشكّل حماية أمن البحر الأحمر — الذي تمرّ عبره 12–15% من التجارة العالمية و40% من تجارة المملكة — أحد ركائز السياسة السعودية.

وفوق ذلك، تنزع الرياض إلى دعم مؤسسات الدولة الوطنية، لا الميليشيات. وتزايدت مؤخرًا الدعوات الإنسانية والأممية — بعد مجازر الفاشر وزامزم — ما زاد الضغط الأخلاقي على السعودية للتحرك، وأصبح الصمت مكلفًا سياسيًا وإنسانيًا.

5

يتواجه المشروعان الإماراتي والسعودي — رغم محاولات التخفيف الدبلوماسي — على مسارين متناقضين. ومهما سعت الرياض لتجنّب التصادم المباشر مع أبوظبي، فإن المواجهة تبدو حتمية. وقد جاءت تطوّرات الحرب لتسرّع هذا الاصطدام، بعدما تجاوز المشروع الإماراتي خطوطًا لا يمكن للسعودية تجاهلها.

فلا يمكن للرياض أن تقبل بسيطرة الإمارات على السودان عبر مليشيات آل دقلو، وبما يعنيه ذلك من إحكام القبضة على الموانئ وامتداد 800 كيلومتر من ساحل البحر الأحمر بقوة قوامها مليون من الجنجويد ومرتزقة عرب الشتات.

هذا التمدّد يمثّل تهديدًا مباشرًا لمشروع نيوم — الذي لا يبعد سوى 1200 كيلومتر عن السواحل السودانية — ويذكّر السعودية بالتهديد الذي شكّله الحوثيون على باب المندب. كما يشكّل خطرًا على مستقبل التجارة، والاستثمار، وأمن البحر الأحمر.

6

للسعودية الآن فرصة تاريخية لاحتواء التوسع الإماراتي. فزيارة ولي العهد إلى واشنطن هذا الأسبوع — وهي محل ترقب واسع — تمنحه مساحة للضغط على ترامب لإلزام الإمارات بوقف تسليح مليشيا الجنجويد، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الأخيرة التي أكدت الدور الإماراتي في تمويل المليشيا.

كما يمكن للرياض استثمار تلاقي مصالح القوى الكبرى — واشنطن وبكين وأنقرة — في استقرار البحر الأحمر، بما يمنح السعودية أدوات ضغط إضافية.

7

لكن الاكتفاء بالإدانة السياسية أو الضغط الدبلوماسي لن يكون كافيًا لردع المشروع الإماراتي. فالمطلوب هو تنسيق عملي بين السعودية ومصر وقطر لتمكين الجيش السوداني من استعادة التوازن العسكري، عبر دعم مباشر وبالأدوات التي تمتلك هذه الدول خبرة في استخدامها.

فإذا كانت الإمارات قد امتلكت الجرأة — والقدرة — على تسليح مليشيا متهمة بالإبادة، فكيف يُمنع حلفاء الحكومة الشرعية من دعم جيش الدولة؟

ثم إن هذا الدعم ليس مجاملة سياسية، بل ضرورة لحماية الأمن القومي لهذه الدول، الذي سيكون أول من يتضرر إذا ما هيمنت الإمارات على السودان.

وتملك السعودية قدرة كبيرة على تغيير الموازين، في السودان وفي القرن الإفريقي والساحل، بحكم نفوذها التاريخي، واستطاعتها قيادة مسار سياسي جديد يشبه «اتفاق جدة»، ولكن هذه المرة من موقع قوة يضمن سلامًا حقيقيًا لا سلامًا تفرضه مليشيا مدعومة خارجيًا.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى