بمناسبة تجديد حالة الطوارئ….. الخرطوم لواشنطن.. “كلما سألت عليك صدوني حراسك”
تقرير – عايدة سعد
(تمخض الفيل فولد فأرا) القول المأثور يكاد ينطبق تماماً على شكل العلاقة بين واشنطن والخرطوم منذ العقوبات التي فرضت على الأخيرة في 1997 م ، وبالرغم من ما تقدمه من تنازلات في سبيل أرضاء غرور سيدة العالم ونرسجيتها ،الأ أن ذلك لم يشفع لها ، فكلما قدمت الخرطوم قرباناً طلبت واشنطن المزيد من القرابين، فبعد زيارات متكررة رسمية وشعبية من جانب حكومة الإنقاذ السابقة، لواشنطن في سبيل رفع القعوبات عنها ، لكن غالباً ما تقابل تلك الزيارات بالبرود واللامبالاة ، حيث لا تتردد واشنطن في أصدار قرار بتجديد قرارها السنوي الذي يقضي بأبقاء الخرطوم ضمن قائمة العواصم الداعمة للأرهاب ، وهذا يعني أن كل ما تقوم به من زيارات لا يعني لواشنطن شيئا أي أن هذا التقرب الذي تراه الحكومة كحجم الفيل في معانيه تشطبه الأدارة الأمريكية بجرة قلم.
تجديد سنوي:
ظلت واشنطن تجدد سنويا العقوبات علي الخرطوم ،رغم وعودها المتكرره لها برفع أسمها من قائمة الدول الراعية للأرهاب أذا وقعت علي أتفاقية السلام الشامل ، ولكن نكصت بعهدها ،ثم جاء أستفتاء جنوب السودان ووعد كذلك واشنطن الخرطوم برفع العقوبات أذا بصمت علي أنفصال الجنوب ،وقد كان ذلك ، وتواصل مسلسل تقديم الطلبات دونما مقابل؛ حتى قبل يومين حيث أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن تمديد حالة الطوارئ الوطنية فيما يتعلق بالسودان.
وقال إنه لا تزال سياسات وإجراءات حكومة السودان، والوضع في السودان ودارفور، تشكل تهديداً غير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
ثأثير أقتصادي:
ظلت العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على السودان منذ العام 1997 تمثل المعوق الاساسي في الحد من التنمية الاقتصادية على الرغم من المجهودات التي تبذلها الدولة لفك الحظر الاقتصادي ،فالعلاقة المتوترة بين واشنطن والحكومة السودانية منذ عام 1989، عندما أدرجت واشنطن الخرطوم في قائمة الدول الراعية للإرهاب في عام 1993 الشيء الذي مهد لفرض عقوبات اقتصادية تشمل حظر كل انواع التعامل التجاري والمالي بين البلدين اعتبارا من 3/11/1997 بموجب الامر التنفيذي الرئاسي رقم (13067)،ومنذ ذلك التوقيت يجدد الرئيس الأمريكي الأمريكي سنويا قانون العقوبات الأمريكية على السودان.
كسب ود:
ويرى مراقبون أن التذبذب في مواقف واشنطون تجاة الخرطوم ينبع من أختلاف مراكز صناع القرار داخل الأدار الأمريكية ، وذلك لأن القرار تضعه لوبيات داخل الكونغرس الأمريكي ، وهي دائما متحاملة علي الخرطوم ، وأذا أرادت الخرطوم تطبيع علاقتها مع واشنطن عليها كسب ود تلك المنظمات وأذا لم تقبل ما علي الخرطوم الا أن تقنع من أي رفع للعقوبات عليها أو تطبيع لعلاقتها مع واشنطون حالي أو مستقبلي.
ثورة ديسمبر :
رغم التغيير السياسي الذي حدث في ديسمبر ٢٠١٩ م، لم تتحمس واشنطن لرفع العقوبات عن السودان؛ حيث ظلت تتلكأ في اتخاذ هذه الخطوة حتى انعقاد مؤتمر جوبا الذي جمع فرقاء المعارضة السودانية مدنيين وحاملي سلاح، حيث اسميت تلك الخطوة بالمصالحة التاريخية للسودان مع المجتمع الدولي، ورفع اسمه من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، في مكاسب اقتصادية عديدة أهمها، -وفق مراقبين- إعفاء 23 مليار دولار من ديون البلاد الخارجية، واستئناف المساعدات والتمويل الدولي، وفتح آفاق جديدة للاستثمار.
كما تم استئناف التحويلات المصرفية من وإلى السودان بعد توقف لعقود، بسبب العقوبات الاقتصادية الأمريكية، المفروضة على الخرطوم منذ تسعينيات القرن الماضي.
الرده غير مستحيلة :
لم يدم ود واشنطن كثيراً في تطبيع علاقتها مع الخرطوم؛ فقد مثل الخامس والعشرون من أكتوبر ٢٠٢١م نقطة فارقة في علاقة البلدين.؛ عندما استلم المجلس العسكري السلطة في السودان، الشيء الذي اعتبرته الإدارة الأمريكية إنقلاب على الشرعية الثورية ووأد للديمقراطية، فبدأت مره اخرى في ارجاع مسلسل العقوبات، حتى قيام الحرب في السودان في الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م.
تمثيل دبلوماسي:
لم تخفي واشنطن تخوفها من استلام المجلس العسكري لزمام السلطة في السودان، وقد وجهت كل آلياته لمجابهته، بضغط من قوى الحرية والتغيير التي كانت تقود الرأي العام وقت ذاك؛ وفي خطوة غير متوقعة أعلنت واشنطن تعيين سفير لها بالخرطوم؛ وبتاريخ الأول من سبتمبر 2022، قدم السفير الأمريكي أوراق اعتماده لرئيس مجلس السيادة الانقلابي، عبد الفتاح البرهان، منهيا قطيعة امتدت لربع قرن منذ مغادرة أخر سفير للولايات المتحدة الأمريكية للخرطوم.