
حسنا فعل “مجلس الأمن والدفاع” وهو يستجيب لصوت الشعب، ويعلن التعبئة العامة والاستنفار ، ويضع حدا للتكهنات القائلة بموافقة الحكومة على هدنة مع الجنجويد لثلاثة أشهر..
لم يكن أمام الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة القائد العام لقوات الشعب المسلحة اي طريق آخر ، فقد حدد الشعب فى “الواقع والمواقع” خارطة حدود المسموح به ، والمحظور ، وهو يعلن رفضه لأية تسوية أو مهادنة تعيد مليشيا الدعم السريع للمشهد مرة أخرى.
البرهان لم نجده الا في مكان عزة شعب السودان، لم يخذل الوطن يوما وهو يخوض غمار حرب ضروس تجلي فيها كبطل قائد وزعيم محنك، لا يخزي الشعب أو يتأخر عن نصرته، الرجل ظل فى الموقف الصحيح من التاريخ ، وقد تحول إلى بطل قومي يخرج الناس لاستقباله والالتفاف حوله فى اي مكان مأخوذين بشجاعته وقدرته على تطويع المستحيل لمصلحة السودان..
لم يفعل البرهان سوى الاستجابة لما يطلبه المواطنون، فكرامة الشعب السوداني غير قابلة لعرضها فى مزادات التفاوض ، وجراحه التى خلفها تمرد الدعم السريع ليست محل مساومة، ومن عجب أن الذين كانوا يهتفون ” الدم قصاد الدم ما بتقبل الدية” من كلاب صيد المليشيا ونشطائها السياسيين تحولوا فجأة إلى ” حمائم سلام”، ورفعوا دون حياء شعار ” لا للحرب”، الذى يعني ترجمته لاي متابع ” نعم لعودة المليشيا”.
أغرق القحاتة خلال الأيام الماضية “الميديا” بأخبار مفبركة عن موافقة الحكومة على الهدنة، غذاها حتى باتت قابلة للتصديق مستشار ترامب مسعد بولس، هذا الفولكر الجديد، والجنجويدي الأمريكي الذى يريد للبرهان ورفاقه أن يعيشوا بقية أعمارهم مشيعين بلعنات الشعب السوداني..
مسعد ومن خلفه الكورال المنافق يتباكون الان على الفاشر، ويطلبون هدنة للاغراض الإنسانية بعد 16 شهرا عاشتها المدينة تحت الحصار والتجويع والقصف المتكرر حتى مات المواطنون بالجوع والعطش ونقص الدواء ومسيرات ومدافع الجنجويد، واضطروا لاكل الامباز ” غذاء الحيوانات” بعد أن عزت الجلود.
أمر محير ان ينتبه العالم لإغاثة الفاشر بعد سقوطها فى يد الجنجويد، وتوزع أهلها بين النزوح والقتل والمرض والتشريد ، لم يعد هنالك أحد فى الفاشر حتى توفر له الهدنة اغاثة، فقد نزح من نزح ومات من مات بفعل الإبادة والتصفية العرقية وجرائم القتل والاغتصاب…
ان كان هنالك ثمة جهود دولية لإغاثة الفاشر ، فقد ظلت الحكومة ملتزمة يفتح مساراتها وممراتها رغم أن المليشيا تستغلها فى ادخال السلاح ، لم تتأخر الدولة عن اي جهد لتوصيل المواد الانسانية، المليشيا هي من يعرقل هذا الأمر ولو كانت جادة لنفذت اتفاق جدة، ولما وضعت حياة إنسان الفاشر فى مقايضة مع نزواتها العسكرية ونزقها السياسي…
لا اعتقد أن اجتماع مجلس الأمن والدفاع احتاج إلى كثير تفكير لتجاوز مقترح الهدنة الذى دفعت به الولايات المتحدة الامريكية، لأن مبادئ السياسة وما تستوجبه تحديات الميدان تقول بأن الموافقة على الهدنة ستغري الدعم السريع على مزيد من الطموحات العسكرية المدمرة، وستعني في المقام الأول استسلام الحكومة لفصل دارفور، وتشير إلى تخلي الحكومة عن مواطنيها المقهورين الان بفظاظة المليشيا وانتهاكاتها فى المناطق المحتلة فى كردفان ودارفور ، وعن حلفائها فى الميدان من أبطال المشتركة الذين حاربوا معها فى الجزيرة والخرطوم وسنار، فلماذا تخذلهم فى معارك بارا والفاشر..
لم يترك الجنجويد أمام البرهان والجيش سوى التقدم بعزة لتحرير سائر المناطق المحتلة بواسطة المليشيا قبل الجلوس لأية تفاهمات سلام، لا يستقيم أن يجلس الجيش للتفاوض بينما الجنجويد يجثمون على صدر دارفور بالكامل وبعض أنحاء كردفان…إسقاط الفاشر والتهديد باجتياح الشمالية ونهر النيل، والعودة للخرطوم كلها محاولات لارغام الحكومة على تفاوض يعيد الجنجويد ومناصريهم من القحاتة إلى الحكم مرة اخرى، وضمان موطئ قدم للكفيل الاماراتي فى أرض السودان، ولكن هيهات، فمن سفكوا دماء السودانيين وهتكوا اعراض غير جديرين بالعيش بينهم.. ناهيك عن تقديمهم ليصبحوا حكاما فى أي تسوية مقترحة..
