بشارة سليمان نور يكتب … رسالة في بريد مجلس السيادة
ان الحرب التى تواجهها بلادنا غير عادية من حيث منفذيها وداعميها والأسلوب الممارس عبرها،وهذا يستدعي بالطبع تعاملا غير عادى من حيث العمل المضاد لها عبر الآليات والاجهزة الحكومية وهذا لايتأتى الا عبر قيام كل جهة بمهامها بكامل الصلاحيات وبمضاعفة للطاقات، لقد شكل حصار قادة مجلس السيادة من العسكريين داخل القيادة العامة وصمودهم لأكثر من ثمانية أشهر اسبابا منطقية لإدارة البلاد بما تيسر من تنظيم اداري وتنفيذي معلول أستمر منذ قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر بلا جهاز تنفيذي كامل الصلاحيات وربما أستمر ذلك الواقع الطارئ بعد خروج قادة مجلس السيادة من حصار القيادة العامة بعملية بطولية لم تخلوا من المخاطر بفعل ضغط العمل العسكري على الأولويات الاخرى،ولكن بكل اسف أستمرت هذه الوضعية المختلة لمايقارب العامين دون أى تغيير بالرغم من ان كل الظروف والتحديات المحيطة ببلادنا والمتجددة يوما بعد الاخر تقتضي غير ذلك، فالناظر لاداء مجلس السيادة بعد اندلاع حرب المليشا لابد أن ينظر له من الجوانب العسكرية والسياسية والتنفيذية،فالاداء في الجانب العسكري حقق نجاحا كبيرا لم يكن في مخيلة المليشيا وداعميها الاقليمين والدوليين وحلفائها السياسين بالداخل(قحت)هذا بالنظر لحالة الجهوزية العسكرية للمليشا من حيث إعداد قواتها وتسليحيها ووضعها الاقتصادي لافرادها حيث يتوافرون على مرتبات ومخصصات عالية والحشود المرتزقة الضخمة التى تم استجلابها من الخارج،هذا بالإضافة لإعدادها المسبق للحرب،على عكس الجيش الذي لم يكن جاهزا ولامخططا لخوض هذه الحرب،والذي كان يعاني اقتصاديا بفعل الوضع الاقتصادي للبلاد عوضا عن الاستهداف الذى تعرض له من قبل حكومة قحت بالتضيق الاقتصادي عليه وتوقفت تبعا لذلك عمليات التدريب والتسليح الراتبة لقواته، وفي ذات الوقت دعم المليشا سياسيا وماديا عبر تمكين قائدها من كل موارد الدولة،وبالرغم من ذلك استطاعت قيادة الجيش عبر ممثليها في مجلس السيادة وهيئة الأركان الصمود لمايقارب الثمانية أشهر داخل القيادة العامة وقدم الجيش مئات الشهداء ثمنا لهذا الصمود،امام الطوفان الجهنمى المدعوم من قبل الجهات الخارجية المعروفة، فقد شكل صمود القيادة العسكرية التى خيرت وقتها بين الاستسلام والقتل ،شكل أكبر علامات الانتصار أمام هذه المؤامرة الخبيثة،ومن ثم جاءت عملية الخروج من القيادة العامة برغم التعقيدات والمخاطر التى احاطت بها فقد كانت هى الاخرى عملية بطولية نادرة،وشكلت تحولا كاملا في الحرب،كما مثل صمود المناطق والوحدات العسكرية في العاصمة في كل من امدرمان وبحري وبعض الفرق والوحدات في بعض الولايات التى وصلتها الحرب نجاحا كبيرا في الأبيض وبابنونسه اما صمود الفاشر وانا ابن هذه المدينة واعرفها جيدا فقد شكل فيها تلاحم الجيش مع القوات حركات الكفاح وقوات قشن ومستنفري الفاشر صمود اسطورى كما أن نجاح القيادة العامة في إيصال الامداد العسكرى عبر الإسقاط الجوى رقم المخاطر الكبيرة، رغم الهجمات التى قاربت لمائتى هجوم ،ومع كل ذلك فقد شكل سلاح الجو السوداني الذي كان اداءه فوق الممتاز دورا تكامليا مع صمود المقاتلين على الارض،فقد
كان فعالا في ردع الكثير من الموجات الهجومية للمليشا ومرتزقتها الاوباش، وهذا أمر يحسب لقيادة القوات المسلحة ولقيادة سلاح الجو السوداني،
اما في الجانب السياسي فالاداء يتسم بالضعف الشديد بل والمربك اذا ما استصحبنا الدعم الشعبي والسياسي الغير مسبوق المتمثل فى الالتفاف الشعبى ودعم القوى الوطنية للقوات المسلحة، وقد شكل هذا الضعف ولايزال الثغرة التى تنفذ عبرها الأحزاب التى تشكل غطاءا سياسيا للمليشا وممولها الخارجي فقد انكشف أمرها بوضوح تام أمام الشعب السوداني والذي تأكد له قطعيا أنها محض اذرع واليات للمليشيا ولايمهما أمر استقراره وسيادته في شئ،وبرغم اتضاح الصورة للشعب عن هذه الكيانات السياسية الغير وطنية ،غير ان ضعف الاداء السياسي لمجلس السيادة خلق مساحات فراغ كبيرة وخطيرة تحركت فيه الروافع السياسية للمليشا على المستويات الأفريقية والعربية والعالمية،الأمر الذي يطرح تساؤلا جوهريا هل هذا الأمر ينم عن ضعف حقيقي ام انه أمر متعمدا من المجلس السيادي والافتراضين بالنظر للحظة الحرجة التى يمثلها أهمية فعالية هذا القطاع المهم، تجعل مجرد تصور حدوثه لأى منهما كارثيا ويعد بمثابة نقص القادرين على التمام، فقد شهدنا كيف تجول قائد المليشيا على
كل دول الجوار وكيف اننا فشلنا في التأثير على جوارنا الأفريقي منذ بداية الحرب وحتى الآن في كسبها بالوقوف لجانبنا،بل حتى أن قائد المليشيا تجاوز الجوار لجنوب أفريقيا بكل رمزيتها وأهميتها السياسية في القارة الإفريقية وفي العالم اجمع ودننا دورها الأخير في محاصرة رئيس الوزراء الاسرائيلي بشأن جرائمه بحق الفلسطينين أمام المحكمه الجنائية الدولية،حدث ذلك في ظل تعطل شبه تام للدور السياسي لمجلس السيادة وهو المسؤول عن هذه الملف رفقة وزارة الخارجية كزراع تنفيذى فقد اكتفت الأخيرة بالتفرج وقتها، ولم تقم حتى بمجرد الاحتجاج على الدول التى استقبلت قائد التمرد،صحيح أن أداء الخارجية تحسن بعد تعيين الوزير على يوسف وهو رجل له خبرات كبيرة في مجال العمل الدبلوماسي والخارجي،ولكن خطوة تعيينه تأخرت كثيرا، ان القوى السياسية الوطنية ومجموعة سلام جوبا والقيادات المدنية والاهلية ظلت ومنذ اندلاع الحرب تقدم النصح وباستمرار لاعضاء مجلس السيادة ولرئيسه بضرورة تشكيل جهاز تنفيذي وبكامل الصلاحيات كأحد اهم العوامل الضرورية واللازمة لاسناد الصمود والتقدم العسكري مما يساهم فى سرعة حسم المعركة لصالح الأجندة الوطنية، ان إشكال عدم مقدرة مجلس السيادة ورئيسه في تشكيل جهاز تنفيذي فعال ذو صلاحيات كاملة ظلت مستمره منذ قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر التى شكلت ساحنة ذهبيه لتشكيل حكومة تستطيع معالجة جملة من الاشكالات التى كانت قائمة وقتها ،ولكن تم تفويت تلك الفرصة حتى قيام الانقلاب الذى تحول لحرب بعد فشله الزرئع،ولعل الجميع أوجد الأعذار لمجلس السيادة وقتها في عدم استطاعته تكوين الحكومة،بفعل الصراع مع حميدتي وقتها،وهذا امر متفهم لدى القوى الوطنية وقادة الرأى وعموم الشعب حينذاك،اما بعد الحرب وبعد خروج المتمرد حميدتي خارج دائرة صناعة القرار واختفاء الفيتو الذي كان يعطل قرارات رئيس مجلس السيادة،ان استمرار هذه الوضعية بجانب آثارها الكارثية الواضحة علي مجمل الاداء الحكومة خصوصا فيما يتصل بالعلاقات الخارجية والملفات التى تمس السيادة الوطنية، تفتح الأبواب الواسعة لتصديق الدعاية السياسية لبعض القوى المتحالفة مع المليشا بأن الهدف من الحرب هو سيطرة العسكر على السلطة وهو أمر مخالف لمنطق وحيثيات وأسباب قيام الحرب التى حضرت لها ذات القوى المتحالفة مع المليشا علنا وليست سرا عبر شعار(الاطارى أو الحرب)فما هو السبب الذي يجعلنا نقدم على أفعال تصدق اقوال خصمومنا السياسيين!وعلينا أن نبحث جميعا عن الجهة التى ورثت فيتو عائلة دقلو،فقد كانت كل القرارات إبان مرحلة ماقبل الحرب تتخذ من قبل نائبه الذي تمرد بل أن بعض من قام بتعينهم في مواقع هامة لايزالون في مواقعهم،ولكن كانت قراراته وتعيناته جميعها لصالح أسرته وقواته ،فلصالح من يستخدم من ورث دوره الان في عرقلة أداء الجهاز السياسي والتنفيذي هذا سؤال الإجابة عليه ضرورية حتى لاتصحى بلادنا على مفاجأة مدمرة مرة اخري،،من خلال النظر يتضح بسهولة أن أكبر معرقل لاداء الجهاز التنفيذي مع غياب الجهاز التشريعى بالطبع،يجد أن مسألة الإشراف السيادي على أداء وكلاء الوزراء هو أكبر مكبل لطاقات ومبادرات الجهاز التنفيذى فقد تحول الجهاز التنفيذي في غالبه لمنتظر لتوجيهات المشرفين عليه، كما أن مسألة الإشراف تعكس عدم الثقة فيمن تم تكليفهم ومن جانب آخر لايمكن تصور أن تكون مشرف على المسؤول الأول في الوزارة الذي هو بالتأكيد يفهم فيما يلى مسؤلياته أكثر من الشخص المشرف عليه،كما أن هذا الامر يكاد ينطوى على عدم إحترام لسودانيين كاملة المواطنة والوطنية،فمسألة الإشراف السيادى علي الجهاز التنفيذي عطلت الاداء التنفيذي وجعلته نهبا لرغبات المشرفين عليه وليس قايما على مسؤولياته وأدوراه المرسومه والموسومه ليقوم بها،فانعكس ذلك على دور المجلس السيادي في مهامه الاصيلة مثل العلاقات الخارجية والتى بالرغم من التطور الذي أشرنا اليه أعلاه بعد تعيين الوزير الجديد للخارجية، فلايزال القصور قائما، فذات دول الجوار التى فقدناها الان بفعل تقاصر الدور السياسي لمجلس السيادة وانشغاله بالعمل بالتنفيذى اليومى،فقد شهدنا كيف استطاعت الخارجية وجهاز المخابرات العامة إبان فترة الرئيس السابق البشير برغم معارضتنا له وقتها،من خلق علاقات عامة مع دول الجوار وعموم دول الاتحاد الأفريقي وعبر تكوين اتحاد أجهزة المخابرات الأفريقية(السيسا)من تشكل حماية البشير من قضية المحكمة الجنائية الدولية، والأمر يرجع لعمل كل الأجهزة التنفيذيه والسياسية بكامل الصلاحيات الأمر الذي يطلق روح المباردة والانجاز،أن أسوأ ماينتج عنه بقصد اوبغيره سلوك احتكار السلطة وادعاء امتلاك الجدارة هو جمود جميع الأجهزة في انتظار إشارة من المهلم أو الخارق،وهو السبب الأول في سقوط الانظمة،ان المسؤولية السياسية والوطنية والاخلاقية في الظروف العادية تقتضي أن تتنزل السلطات بكامل الصلاحيات لكافة أجهزة الدولة اما في ظل الظرف المصيرى الحالي فان اي محاولة لمصادرة دور الجهاز الحكومي وحصره في جسم غير معنى بادارة بعض الأدوار وفقا للدستور والقانون والعرف المتوارث يشكل خطرا محاقا على البلاد،وقد علمتنا التجارب أن توزيع السلطة بين مراكز متعددة بغير هوادي الدستور والقانون، يقود في نهايه الأمر للصدام بينها،بينما يمثل تنزيل السلطات العامة وفقا لمبدأ الفصل القائم بينها هوالعاصم من التصدع، والرافع من التوحل في أمراض احتكار السلطة المعروفة،
ان التيار المستفيد من هذا الوضع الغامض يبقي مجهولا للجميع فليست من مصلحة القوات المسلحة كمؤسسة تحظى بدعم والتفاف شعبي ووطني كامل أن تبدو تعمل للقيام بمايتجاوز دورها الدستوري كطامعة فى احتكار السلطة وهو الاتهام الرئيس الذي يحوم حوله قادة المليشيا وحلفائها السياسين كما أن هذه الوضعية تجعل من قيادة الجيش وكأنها تساعد الأحزاب المتحالفة مع المشروع الأجنبي المتمتلش بأنها القوى السياسية الوحيدة بالسودان ولايوجد غيرها،وكأن الجيش يؤجل مسألة تكوين الحكومة التنفيذية كاملة الصلاحيات لحين توافر الظرف المناسب لعودتها مع ان هذا لايبدو ورادا، ولكن للاسف ظل هذا التردد يمثل طاقة لاحزاب قحت ،فقد تجاوزت ان يكون رد فعلها تكوين حكومة موازية حال تم تشكيل حكومة بورسودان إلى إعلان عزمها تكوين حكومة بماتسميه بالمناطق المحررة وهي التى تقع تحت سيطرة حليفها العسكري(المليشا)هذا ماتقوم به قحت والمليشا وهم في كامل التعرية السياسية والاخلاقية أمام الشعب السوداني بل والعالم اجمع خصوصا بعد التحركات الأخيرة بالكونغرس الأمريكي ضد الداعم والممول الرئيس لشتات قحت وجناحها العسكري المتمرد،بينما يتمتع الجيش والمجلس السيادي بكامل الدعم الشعبي والسياسي والاهلي والمدنى من غالب الشعب السوداني ويرفض تشكيل جهاز تنفيذي بكامل الصلاحيات،فهل من تفسير لهذا الغموض،وهل المستفيد الخفي من هذا الأمر اقل خطرا من العدو الظاهر المتمرد،ويمكن بوضوح استكشاف أصحاب المصلحة من هذه الوضعية الذين يتاجرون في العاطفة الوطنية تحت عنوان(الوقت للحرب)وكأن الحرب توقف الشورى والنصح،بل ان الحقيقة ان هنالك جهات لاتهمها المصلحة الوطنية وتريد ان تتكسب تحت نيران الحرب لمصالحها الخاصة،ان الشورى والنصح أوجب ماتكون وقت الحرب فلم يوقفها الرسول (ص)قبل الحرب وخلالها وتحت قعقة سلاحها،كما أن الملاحظ أن القرارات التى تتخذ يكتنفها الغموض وعند محاولة استكشاف دوافعها يتم الاحتماء تحت لافتة انه وقت حرب،فعند اقالة المدير العام لديوان الضرائب استفسرت مجموعة سلام جوبا حول الأسباب فتم توجيه اللوم لها لعدم تقدير اللحظة الوطنية وانتهي الامر بتكوين لجنة إفادة بأن أداء المدير يعد أفضل أداء على مدار تاريخ تكوين هذه المؤسسة، اذن من الذي يتخذ هذه القرارات من الذي يعمل بجد لتصوير رئيس مجلس السيادة بالمتردد والمتأخر في اتخاذ القرار في الوقت المناسب، فقد كان قائد المليشا يقود قبل تمرده هذه الحرب الإعلامية علنا ضد السيد رئيس مجلس السيادة،فمن يتولى قيادتها سرا الان ولمصلحة من، أن إشراف بعض أعضاء مجلس السيادة مع تعارضه وكيفية صناعة القرار بالمجلس الذي نص قانونه على ان يتخذ القرار باجماع اعضائه وتوافقهم،فان توزيع الإشراف على بعض أعضاءه يتعارض مع هذا الامر،كما ان المعروف عن الجيش كمؤسسة هرمية تلتزم التراتبية العسكرية لايصلح معه تقاسم السلطات الذى يقود الي الصراعات ،وهو الامر الذى كان واضحا إبان شغل قائد التمرد لموقع نائب رئيس المجلس السيادى،والذى لم يكن يعطى اي اهتمام ولا احترام للتراتبية العسكرية فاصبح يتزعم كل اتجاه يتعارض مع رئيس المجلس السيادي وكان هذا متوقعا وطبيعيا نظرا لعدم المامه بقواعد الانضباط العسكري،ولكن غير المفهوم الان ان تتم إعادة ذات طريقة العمل بقيادة ضباط محترفين ،ان بدعة الإشراف السيادى على الاداء التنفيذي هي السبب المباشر في تراجع الاداء التنفيذى،وهو امر لايمكن القبول باستمراره لاثاره الكارثية على مجمل الاداء الحكومى والسيادي للبلاد،علي أعضاء مجلس السيادة القدامى والجدد أن يتحملوا المسؤولية التاريخية ويقوموا بإدارة البلاد بمايتناسب واللحظة الحرجة التى تمر بها عبر تشكيل جهاز تنفيذي فعال بصلاحيات كاملة ويتفرغوا بشكل تام للمهام العظام الواقعة على عاتقهم، ومن أهمها العلاقات الخارجية التى لازلنا نواجه فيها تحديات خطيرة ،وعندها سيتكامل أداء الأجهزة التنفيذية والسيادية لمواجهة التحديات الخارجية والداخلية على حد السواء،ان استمرار هذه الوضعية سيفتح الكثير من الثغرات وستعلوا كذلك الكثير من الاصوات،ونحن أحوج مانكون لسد كل الثغرات زمن وتوحيد كل الأصوات لهدف واحد هو انتصار الوطن ،ولا انتصار بغير احترام الشعب وقواه الوطنية عبر إدارته بما يستحق من الوضوح والمسؤولية والتشاركية بعيدا عن الغموض واللامبالاة والاحتكارية.