ايمن كبوش يكتب … (ماركوني البجيبا إشارة)
قلت له: قبل عام من الآن، وفي شكلٍ من أشكال الحصار الذي كانت المليشيا ترى، وهماً، أنها به سوف تسقط القيادة العامة وسلاح الإشارة، نجح الاوغاد، ايامها، في إغلاق خط الامداد الوحيد المفتوح أمام (سلاح الإشارة) بالمنطقة العسكرية بحري، من منطقة ام درمان عبر النيل الازرق، حيث قطعوا الامداد بإقامة سياج حديدي يمنع مرور اي امداد من تحت جسر المك نمر او كوبري توتي، كان للحصار تأثير كبير في نقص الذخائر بسبب عدم تعويض الفاقد منها مع استمرار المعارك والهجمات المتتالية التي تشنها المليشيا المتمردة من عدة محاور، فكان الصمود الاسطوري لابطال، اللواء الركن عبد العزيز ابكر، عملاق الإشارة والصنديد (الحدد مكان الغارة.. ماركوني البجيبا إشارة).. حدث ذلك بالعزيمة والإصرار والثبات وتقدير الموقف والتعامل في حدود المسئولية ببسالة نادرة، صمدت الإشارة التي كان قائد التمرد يعتقد أن عملية سقوطها، مسألة وقت مثلما كان يعتقد في القيادة العامة التي كانت تعاني منذ عامين من نقص في الامداد مثل معاناتها من عدم الاستعواض على صعيد الأفراد مع استعار المعارك وارتقاء عدد كبير من الشهداء، ولكن شكّل ابطال القيادة وعلى رأسهم رئيس هيئة الأركان الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين ونوابه الفرقاء، مجدي ابراهيم والداروتي وخالد الشامي وعبد المحمود حماد وقائد الاستخبارات صبير، وكذلك قادة الأسلحة الرئيسة، شكلوا جميعا احداثيات ثبات غير مسبوق وسط كثافة النيران والتدوين المستمر والوجبات الشحيحة، حيث كانت عملية إيصال الغذاء عملية معقدة جدا، وان وجد هذا الغذاء فهو عبارة عن (بليلة) أو (عدس بالكوجا)، وجبات فقيرة لا تليق بالمقاتلين ولكنها تمثل علامة جودة فارقة تتحدث عن الجندي السوداني الذي يظهر معدنه النفيس في المواقف الصعبة.
بالامس استطاع فرسان الجيش والقوات النظامية الأخرى والمستنفرين وفي مقدمتهم (براؤون يا رسول الله)، استطاعوا فك الحصار الطويل والالتحام مع سلاح الإشارة حيث زحف جيش منطقة الكدرو العسكرية بقيادة اللواء الركن النعمان عوض السيد لتكون نقطة انتهاء المهمة هي القيادة العامة التي تمثل رمزية الجيش وسيطرته التاريخية.
بالتقاء تلك الجيوش الهادرة.. تكون عملية تحرير الخرطوم (عموم) من الاوباش قد قطعت شوطا بعيدا.. لذلك خرجت جماهير الشعب السوداني في مسيرات فرح غامر، جابت الشوارع في البحر الأحمر وكسلا والقضارف وسنار والجزيرة والنيل الأبيض، وهي مسيرات عفوية جسدت خلالها الجماهير تلاحمية (جيشٌ واحد.. شعبٌ واحد) وذلك فضل من الله العلي القدير.
على صدى هذه الانتصارات الباهرة، أعود واذكر بما كنت قد كتبته للمارشال (مني اركو مناوي)، حاكم إقليم دارفور، في أعقاب لقاء محضور دعا له بفندق هيلتون المطار، وقتها كان مناوي مع آخرين كثر، يسوّقون لفرضيات أن هذه الحرب لن تحسم عسريا ولابد من التفاوض، يومها قلت للمارشال في هذا المقال: (ما قيل في تلك الجلسة نحن لن نأخذ به كله، ولن نرمي بكل ما فيه في سلة (البوار)، بعيدا عن لقاءات العلاقات العامة، طالما ان البنادق لم تسكت بعد، ولكن ما اريد ان اذكر به السيد القائد والمارشال وحاكم اقليم دارفور ان موقفهم المعلن هو وقوفهم مع الجيش السوداني في خندق الدفاع عن وجودهم ووجود الدولة السودانية، والبندقية التي يشيحون عنها بعيدا عندما يرتدون البدل وربطات العنق الانيقة، هي التي اتت بهم ووضعتهم في هذا الموضع، واي اختلال في المواقف او تماهي مع (الحياد) المُدعى في الغرف المغلقة، يعني بأن الجيش سوف يمضي في حربه المفروضة عليه هذي، لوحده، وسيشكل اي وضع قادم وفق الخيارات التي ترضيه وترضي الشعب الذي يلتف حوله، وينادي بالحسم بعيدا عن تخاذل الذين يدعون بأن الحرب، لن تحسم عسكريا وكأنهم يكشفون حجب الغيب او ان الراحل (جون قرنق) عندما فاوض حكومة البشير ووافق على السلام، قد كان محتلا لشندي والمتمة وكوستي وجوبا وتوريت وبور والبيبور.. قرنق كان في رقعة صغيرة بعزم الرجال الذين هم رجال القوات المسلحة الذين بدأوا العمليات، وقتها، والتمرد على مشارف النيل الابيض.. وعندما جاء السلام كان محصورا في (نمولي) وكل ذلك بالبندقية والارادة القوية.)… ذلك زمان مضى ومازال الرهان في محله في جيش القائد البرهان وابطال القوات المسلحة في أي مكان.