
في العاشر من سبتمبر من العام الماضي كنت اكتب عنه وعن تضحياته في معركة الكرامة التي دخل إليها مقتحما من باب المعاش الاجباري الذي فرضه قائد المليشيا محمد حمدان دقلو عندما كان مسيطرا على كل مفاصل الدولة وكانت أبرز قراراته هي حل هيئة العمليات وتسليم مقارها للدعم السريع وهي مقار تم إعدادها اساسا لحماية العاصمة، ثم فعل حميدتي كل ما يريده في كشوفات القوات النظامية الجيش والشرطة والمخابرات وقطع رأس كل من كان يرفض تمدده غير المبرر في قيادة البلد، وكان من اولئك قائد المدرعات سعادة الفريق نصر الدين عبد الفتاح، الذي لمع نجمه كبطل من ابطال معركة الكرامة ونجوميته تلك هي التي قادته إلى مصير الفريق عصام كرار، قائد البرية السابق الذي وجد نفسه فجأة تحت الأضواء والبريق والنجومية وهذه أمور تزعج القيادة التي تريدك (لا رأس يفلقوك ولا ضنباً يقطعوك) تمشي تحت الحيط ولا يمضي بسيرتك أحد.. ترجل الفارس اخيرا بعد أن تخطاه الترقي في الكشف الفائت لصالح من هم احدث منه، وهاهو الدور الدائر يغرس مديته في ملف الخدمة الممتازة بعد أن اقتربت تراتبيته من هيئة القيادة من الدفعة (36) كلية حربية.
في العاشر من سبتمبر كتبت الآتي: (قلت له: مثلما اعتدنا على أن نوثق للشهداء الذين هم بيننا احياء، لمً لا نوثق لاولئك الذين كانوا ومازالوا عناوينا لافتة و(ايقونات) لمعركة الكرامة.. هذا الذي اكتب عنه اليوم.. لم التقه الا كفاحا.. وذلك عندما اُتهم بالمشاركة في المحاولات الانقلابية (الوهمية) أثناء الفترة الانتقالية، كنت وثيق الصلة بأحد إخوته العسكريين، ولكن ما لفت انتباهي لقضيته ايامها غير ايماني ببراءته مما اتهم فيه، هو دفاع عشيرته عنه، المقربون وأهل منطقته.. كلهم كانوا هناك في خط الدفاع عنه واستنكارا للتحفظ عليه دون أن يقدم للمحاكمة العسكرية العادلة.. ومطالبتهم بتقديمه للمحاكمة يعني أنهم واثقون تماما من براءته.. أعود وأقول إن أهله وعشيرته كانوا يعلمون بما نعلم، حيث توفرت لهم المعلومات التي تقول أن ابنهم سجل موقفا بطوليا في مواجهة الطاغية الذي كان يخطط لاختطاف الدولة السودانية والغاء المؤسسة العسكرية لصالح المليشيا المتمردة وإقامة دولة العطاوة على أنقاض نسيجنا الاجتماعي.. وتاريخ شعبنا الباذخ.. يومها أصدر تعليماته بأن تتحرك المليشيا فورا من محيط حدود مسؤوليته في الخرطوم جنوب… وإلا سيحرك المجنزرات وسيكون الضرب مركزا من المسافة صفر.. دخلت تعليماته الصارمة حيز التنفيذ ولكن اضمر الطاغية في نفسه شرا وبدأ في البحث عن إيجاد مخارج لعدد من الضباط الشرفاء الأقوياء، وبينهم هذا الرجل، تم تدبير المحاولة الانقلابية وتم حشر اسم صاحبنا حشرا لكي يكون هناك مبرر لابعاده من المؤسسة العسكرية وقد كان.. في الخامس عشر من ابريل من العام 2023 تمايزت الصفوف وظهرت ملامح صدق الانتماء لهذه المؤسسة العريقة، مؤسسة القوات المسلحة السودانية، لم يجد الرجل مناصا من الالتحاق بوحدته بعد أن تمت إعادته للخدمة وفي تلك الإعادة اعتراف صريح من القيادة العليا بأن الرجل كان على حق، لانه لا احد يمضي إلى مكامن الموت أو يهرول إلى ارض القتل إن لم يكن مؤمنا بالقضية.. ومحبا لهذه المؤسسة ومؤمن بشرف الجندية، انخرط الرجل مع إخوته كقائد.. وضرب ارع مثل في الشجاعة والبسالة والنبل وحب الوطن.. التحية لابطال الدروع، والتحية لشجعان المدرعات الذين ضربوا اروع الامثال وحافظوا على إدارتهم العملاقة التي تحمل رمزية كبيرة في المؤسسة العسكرية، حافظوا عليها منذ أن كانت الظروف جد صعبة والمليشيا في كامل جاهزيتها، لله دركم ابطال الدروع والتحية للواء الركن دكتور نصر الدين عبد الفتاح محمد سليم.)
ترجل الفارس اخيرا وغادر عرينه وانشغل التايم لاين بما يليق ببطولاته.. وقلة هم الذين يشغلون الناس عندما يترجلون.