
من الأدب العسكري المعروف أن تُؤدىٰ التحية العسكرية قبل أن يُعرف ماهو الأمر المراد من الطابور اِطاعته!! فعند اِعلان الأوامر جزء أول يأتي النداء حَىِّ الأوامر، ثم يلي ذلك تلاوة الأمر أو الأوامر، وهذا يتسق حرفياً مع كلمات القسم الذى يؤديه الضابط عند تخرجه من الكلية الحربية.(وأن أطيع الأوامر الصادرة لي من ضابطي الأعلىٰ)، وهكذا تبدأ سلسلة من التعليمات والأوامر، ولا تنتهى حتى بعد اِحالة الضابط على التقاعد فيكون تحت الأمر متى ما طُلِب مِنه التبليغ لأقرب وحدة عسكرية . ومن المعلوم أنه لا ينقضي العام دون أن (يَطْلَع الكَشِف) وفيه الترقيات والتنقلات والإحالات، ولم يحدث أن أحيل ضابط على التقاعد ورفض تنفيذ الأوامر.
ومثلما كان السودانيون فى كل عام يترقبون اِذاعة نتيجة الشهادة السودانية، فانّ كلَّ الجياشة ينتظرون طلوع الكَشِف، والذى كان يطلع عادةً قُبيل الاِنصراف فى يوم الخميس، ولعل الحكمة من وراء اِختيار يوم الخميس هو أن عطلة يوم الجمعة، والسبت في مابعد، كافٍ لامتصاص النقاش – خارج الوحدات العسكرية بالطبع – حول ما أحدثه الكشف من ترقيات وإحالات، لأن (الأوامر لا تُنَاقَشْ) وإلا لكان للجيش نقابات واتحادات وأركان نقاش !!
لكن الكشف الأخير أحدث جَلَبَةً كثيفة وضوضاء بين جميع الناس المؤيدين للجيش أو المنادين بتفكيكه !! واتخذوا في ذلك طرائق متباينة، وقد لا يعلم أكثرهم أن الأمر الذي فيه يستفتيان قد قُضِي، فلا القيادة ستتراجع عن الكشف ولا الضابط المتقاعد سيرجع رغم أنف القيادة.
من طرائف ما يحكيه الصديق الراحل الصحفي المميز عمر محمد الحسن ولقبه (الكاهن!!) يقول إن الذى أطلق عليه لقب الكاهن هو المرحوم الأستاذ مهدي مصطفى الهادى عندما كان محافظاً للخرطوم، وكان عمر مديراً لمكتبه، عندما أتى رجل وقال لعمر: عاوز أقابل المحافظ. فقال له عمر: المحافظ مافي . فقال الرجل: لكن عربيته واقفة تِحٍتْ.
فقال عمر: قلت ليك المحافظ مافي. لكن الرجل جادل كثيراً. فما كان من عمر إلا وأن قام من مقعده، وأمسك الرجل من يده وقاده إلى مكتب المحافظ وفتح الباب على مصراعيه وقال للرجل بصوت حازم: شوف فى محافظ قاعد هنا، أنا قلت ليك المحافظ مافي، يعني مافي. واقتنع الرجل مع أن المحافظ كان جالساً على مكتبه. وتعجب السيد مهدي مصطفى الهادي من جُرأة عمر وقدرته على الاِقناع لهذه الدرجة، وقال له: (ياعمر إنت كاهن!!) فصارت لقبا له.
ومناسبة سرد هذه الطرفة هو أنه مهما كان رأي الناس في الكَشٍف مَن يقول إنها إبعاد لأسماء منافسة له على القيادة ومن يقول إنها إملاءات خارجية على (الكاهن) من زيورخ أو القاهرة أو غيرهما ومن يقول إنه ده ما وقته !! والأمر الهام الثاني هو إخضاع كل الحركات التى تحمل السلاح لقانون قوات الشعب المسلحة بلا استثناء.
المطلوب أن نقول الملكية يمتنعون، الكَشِفْ طَلَعْ خلاص. حَىِّ الأوامر.
القائد العام الفريق أول عبد الفتاح البرهان (الكاهن)!! وقع على الأوامر، تراجع مافي يعني مافي،الجيش قَلَبْ وكَرَبْ .
الله غالب