إبراهيم شقلاوي يكتب … ملامح تسوية سياسية محتملة للأزمة السودانية
. تشهد الأحداث السياسية في السودان تحولات متسارعة، حيث يتداخل ما هو معلن مع ما يدور خلف الكواليس . يبدو أن هناك معالم لرؤية جديدة بدأت تتشكل لإنهاء الحرب واستعادة الأمن والسلام للسودانيين. في هذا المقال نستعرض مجموعة من الشواهد لنصل إلى ما يمكن أن نسميه ملامح تسوية سياسية محتملة للأزمة السودانية . في السياق العام لهذا التحليل ينبغي أن نلفت الانتباه إلى عدد من الأحداث المهمة التي أعتبرها مقدمات تساعدنا في الوصول إلى رؤية تشرح فكرتنا وتساعدنا على رسم ملامح المرحلة القادمة .
أحد الشواهد هو التوقف الجزئي للعمليات العسكرية في مختلف جبهات القتال عدا تلك التي تمثل المحافظة علي مناطق السيطرة والنفوذ ، خاصة في ظل الانتصارات الكبيرة التي حققها الجيش السوداني خلال الأيام الماضية ، في محاور الخرطوم وسنار ودارفور . هذه التهدئة في التصعيد العسكري تقودنا إلى الأحداث المهمة ، أولها مشاركة الرئيس البرهان في ثلاث قمم متتالية “أعمال المنتدى الحضري العالمي بالقاهرة” و ” القمة العربية الإسلامية” التي انعقدت في الرياض و”قمة المناخ التي عقدت في أذربيجان” . تمكن الرئيس البرهان خلالهم من مخاطبة العالم بصورة مباشرة حول الانتهاكات التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع وهذا بعد جرائم شرق الجزيرة التي وجدت إدانة واسعة من عدد من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية والاتحاد الأوربي ذلك جعل المجتمع الدولي يخطو خطوات جيدة تجاه السودان ربما بعضها غير معلن .
لكن يمكننا القول إن رسالة السودان قد وصلت بوضوح للعالم ، إلى جانب ذلك اللقاءات الثنائية التي أجراها مع عدد من الرؤساء والزعماء في القمم الثلاث ، خصوصا اللقاء الثنائي مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ثم في القمة العربية الإسلامية مع الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية ، حيث أعلن وزير الخارجية السوداني بعد اللقاء للـ”العربية/الحدث” عن التوافق بين الزعمين على دور مهم للمملكة في المرحلة المقبلة . مما دفع المراقبين للتساؤل حول طبيعة الدور الجديد المتوقع من المملكة الراعية أصلا لمفاوضات جدة ، إلا إذا كانت هذا الدور يحمل رؤية جديدة تحمل مقاربة غير مطروقة للوصول للحل بالنظر لما أعلنه مجلس الوزراء السعودي الأسبوع الماضي “الشرق الأوسط” بأن حل المشكلة في السودان سياسي بالدرجة الأولى.
هذه الاشارة المهمة بحسب مراقبين تؤكد ربما أن السعودية والأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية قد اتفقوا على ضرورة معالجة ملف المليشيا بشكل نهائي . هذا الأمر يؤكده تقرير نشرته “الشرق” يفيد بأن مصادر رفيعة أخبرتهم أن بيريلو أوضح “لطرف ثالث” أن واشنطن ستبحث مستقبل قوات الدعم السريع مع الجانب السوداني في زيارة بيريلو المرتقبة للسودان غد الأحد يرى مراقبون أن الرجل ربما يقصد مستقبل “تقدم ” بحكم علاقته المتماهية مع طرحها ، لذلك يجب أن يكون الأمر واضحا. بالنسبة لمستقبل تقدم وغير تقدم يقرره الشعب السوداني وحده .
في هذه السياقات هناك تغريدة مثيرة للجدل أطلقها أيضا بيريلو الثلاثاء في منصة اكس والتي عدلها مرتين حيث أعلن فيها أن الجنود التابعين للدعم السريع قد ارتكبوا انتهاكات صادمة للضمير، بما في ذلك تسميم مئات السودانيين في قرية الهلالية . هذا ربما يمثل مواقفا إيجابيا للولايات المتحدة تجاه السودان ، بالإضافة إلى ترحيبها عبر المتحدث باسم الخارجية ماثيو ميللر بفتح معبر “أدري” الحدودي مع دولة تشاد ، رغم أنه كما قال مندوب السودان في مجلس الأمن الحارث ادريس أنه يهدد الأمن السوداني ويطيل أمد الحرب بتدفق السلاح إلى المليشيا تحت مسمى المساعدات الإنسانية. يبدو أن هذا الأمر وجد تفهمًا من الولايات المتحدة والأمم المتحدة ، وربما ضمانات وفق مبادئ عامة توافقت عليها جميع الأطراف لضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن وإلا ما كان السودان قد أقدم علي هذه الخطوة .
وهو ما يؤكد أن مليشيا الدعم السريع لم تعد جزء من المعادلة . بالإضافة إلى ذلك هناك تحركات واسعة يقوم بها المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للسودان رمطان العمامرة ، الذي إلتقى بالأمس بوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي الذي أكد حرص بلاده على الانخراط بفاعلية في مختلف الجهود الإقليمية والدولية الرامية لاستعادة الأمن وتحقيق السلام في السودان . كما إلتقى أيضا بالقاهرة الأمين العام للجامعة العربية احمد أبو الغيط الذي أكد على أهمية الحل لمشكلة الحرب ولم يستبعد التسوية السياسية.
قبلها كان العمامرة قد إلتقى رئيس الآلية الأفريقية لحل الازمة السودانية محمد بن شماس الذي أكد ان القارة قادرة للوصول إلى تسوية في السودان كما أكد أن هناك اسباب تمنع نشر قوات دولية في السودان عليه يمكننا القول أنه بدأت تظهر ملامح التسوية السياسية في السودان من خلال هذه الشواهد الإيجابية ، مما يشير إلى إمكانية التوصل إلى حل سياسي ينهي الحرب ويعيد الأمن والسلام إلى السودانيين بقيادة مصر و السعودية وبالتعاون مع الجهات الدولية والإقليمية. وفي ضوء ما تقدم ، يتضح أن الآفاق المستقبلية للتسوية السياسية تحتل مكانة بارزة في النقاشات الجارية ، خصوصًا في ظل العلاقات المتنامية بين الأطراف الفاعلة إقليميًا ودوليًا.
هذا بالنظر إلى النشاط الدبلوماسي الكثيف الذي ظلت تقوم به البعثات الدبلوماسية السودانية في عدد من البلدان في شرح طبيعة العدوان الذي يتم على الشعب السوداني من المليشيا وداعميها . عليه يمكننا القول وفقا ما نراه من وجه الحقيقة الذي بدأ شاخصا في الشواهد المذكورة أنه ليس هناك ما يمنع من التسوية المحتملة بما ينهي الحرب ويعيد الأمن والسلام إلى السودانيين ، اذا تعاونت جميع الأطراف المحلية والاقليمية والدولية لكن بشرط ان يترك للسودانيين وحدهم تشكيل اليوم التالي من الحرب. لكن يظل هناك سؤالا مهما سوف نجاوب عليه لاحقا بعد ازدياد الصورة وضوحا ، هل يتم ادماج مسار جدة الذي يختص بالقضايا الأمنية والانسانية مع مسار القاهرة والاتحاد الافريقي الذي يهتم بالحوار السياسي السوداني السوداني، أم يبدأ المسارين في وقت متقارب لضمان إحداث الاختراقات اللازمة و تعزيز فرص نجاح الحوار الوطني ، هذا بالنظر إلى الحراك السياسي الذي بدأه حزب المؤتمر الوطني خلال الأسبوع الماضي والذي يبدو أنه جاء مؤثرا في جعل الجميع يتحسسون موطئ اقدامهم .
دمتم بخير وعافية .
السبت 16/نوفمبر/2024 م. [email protected]