الفريق اول ركن محمد بشير سليمان يكتب… القوات التي تقاتل في حرب الكرامة .. رؤية مستقبلية (2)

وصلا لما جاء في الحلقة الأولى تقديما عن القوات التي تقاتل في حرب الكرامة ، يصوب الحديث هنا عن بيان أو مفهوم الرؤية المستقبلية وضرورتها بشأن هذه القوات كتخطيط واستعداد استباقى ، تحتم الضرورة الوطنية ومتطلبات الأمن القومي اهمية الإعداد له مبكرا وبصورة جيدة ، ودون انتظار انتهاء الحرب ، خاصة في المجال العسكري ، وبما يسد كافة الثغرات التي قد تؤدي إلى انتكاسة لا تحمد عقباها يتهدد عبرها الاستقرار والسلام الوطني .
قد يظن البعض بأن هذه القوات ومن خلال خوضها المشترك مع القوات المسلحة لمعارك حرب الكرامة سوف تحقق تلقائيا الاندماج المطلوب وبما يؤدي لتجاوز كثير من العقبات التي كانت ستقف حائلا دون ذلك عند مرحلة تنفيذ اتفاقية الترتيبات الامنية المرتبطة باتفاقية جوبا للسلام في اطارها السياسي ، ولا شك ان ذلك امل يصعب ان لم يستحيل تحقيقه ، حتى تصبح تصبح حركات الكفاح المسلح وغيرها من القوات الاخرى جزءا من القوات المسلحة دون أي تعقيدات ، وفي ذلك لابد من بيان حيثيات الاستحالة لوجود مجموعة من الاسباب والإجراءات المرتبطة بذلك من حيث اختلاف السمات بين القوات المسلحة كقوة منتظمة ومنضبطة يحكمها دستور وقانون ولوائح خاصة بها والقوات ذات طبيعة حرب العصابات أو الحرب غير النظامية ، واختلافات . بل ومن جهة أخرى قد تكون هنالك حالة عدم من القوات المسلحة ذاتها للانضمام أو دمج هذه القوات فيها ، وتقاطعات ذلك كمثال نحددها في الآتي:-
- يعتمد تكوين وتأسيس القوات المسلحة الوطنية على البعد القومي مفهوما واستيعابا وتدريبا مطعم بالعقيدة الوطنية ، ثم انتشارا على كافة أنحاء السودان دون الارتباط بالوطن الام (قريه ، فريق ، مدينه ، اقليم … الخ) ، في الوقت الذي يتم فيه استيعاب قوات الحروب غير النظامية ، بغير ذلك لتحقيق أهداف الجهة التي كونتها ، ولنأخذ قوات حركات الكفاح المسلح مثلا لذلك أو القوات الاخرى التي كونتها بعض الجهات والتي يكون المفهوم من انشائها مناطقيا أو اقليميا واثنيا حيث المولد والنشاة . ولتغيير كل ذلك نحو القومية لابد من مجموعة خطط وانشطة وبرامج تستهدف هذه القوات لتغيير المفاهيم والذهنية التي نشأت عليها .
- في ذلك أيضا يكون الاختلاف في اهداف التدريب تركيزا على الهدف التدريبي للجهة التي استقطبتها وقامت بتدريبها وتطعيمها معنويا تكاملا مع الاعداد النفسي للمقاتلين ، والتغذية بالأهداف السياسية للجهة المنشئة لتحقيق مصالح مطلبية محددة تنحصر في دائرة الجهة المنشئة لهذا القوات والتى تسعى لتحقيقها عبر قتال قوات السلطة المركزية .
- أيضا نجد الاختلاف بينها وبين القوات النظامية ، في العقيدة العسكرية ، وعقيدة القتال ، ومفهوم الانضباط العسكري ، وقواعد الاشتباك التي تقاتل بها .
لذا فإن تعقيدات ما ذكرت لن تعالج في يوم وليلة حيث يعتبر مثل هذا السلوك سلوكا عشوائيا .. اي دمج القوات .. والذي سوف يفضي في النهاية إلى كارثة أمنية لا شك ستحدث اضطرابات ان لم يكن كارثة ، تهديدا لاستقرار السلم الوطني ، والتي وبحكم التجارب قد يصعب احتوائها ، ونموزج هذا نجده في نشأة الحركة الشعبية لتحرير السودان .
عند الاطلاع على بروتوكول الترتيبات الامنية لمسار دارفور والذي سوف نركز عليه كمثال لدراسة حاله من خلال حركات الكفاح المسلح لدارفور وبحسبان انها الأكثر مشاركة قتالا مع القوات المسلحة في حرب الكرامة ضد مليشيا الدعم السريع ، سوف نخرج بنتيجة أن هذا البروتوكول يعتبر أو يمثل الخطة الرئيسة لقوى اعلان الحرية والتغيير لتفكيك القوات المسلحة ذاتها ، وذلك ما يحتاج لمعالجات جوهرية في بعض محتوياته ، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا .. (اين كانت لجنة المفاوضات التابعة للقوات المسلحة عند المفاوضات وعند توقيع هذا البروتوكول .. حيث لا يمكن التصديق بأن تكون هذه اللجنة موجودة ويوقع هذا البروتوكول ، وايضا البروتوكول الخاص بقوات الحركة الشعبية شمال) ، وحقيقة عدم الوجود هذا تتمثل في ثلاث موضوعات جوهرية نجدها في المواد الاتية من بروتوكول الترتيبات الامنية مسار دارفور كمثال .. ( اذ تقول المادة 1 . 12 . 9 . المؤسسة العسكرية تشمل القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ، لتتم مساواة الدعم السريع بالقوات المسلحة قانونا وتنتهي بذلك حالة تبعيتها للقوات المسلحة التي كانت سائدة قانونا قبل هذه الاتفاقية ، ولا تعليق على هذه المادة غير ان الذي تم يطرح عدة استفسارات يتم توجيهها للجنة العسكرية المفاوضة بما جرى قبل بداية التفاوض استعدادا وفقا للدراسات والخطة .. ثم تأتي من بعد ذلك المادة 5 . 26 من ذات البروتوكول لتقول .. اتفق الطرفان على بقاء قوات حركات الكفاح المسلح التي تم دمجها في دارفور لمدة “40” شهرا من تاريخ التوقيع على هذا الاتفاق قابلة للتمديد اذا دعت الضرورة الامنية والإنسانية في الاقليم وبعدها تنفتح حسب خطة الانفتاح الاستراتيجي للقوات المسلحة .. وهنا اقول ان اللجنة العسكرية كما يبدو لم تكن لها اساسا خطة للتفاوض أو كانت مسلوبة الارادة ، ولذلك كان مطلوب منها ان تمثل فقط حضورا صامتا ، والا لكانت إحدى مرجعياتها في التفاوض اتفاقيات السلام السابقة لاستخلاص الدروس والعبر منها في مثل هذه الحالات ، إذ من المعلوم ان أسباب انهيار اتفاقية أديس أبابا للسلام في العام 1972 كان لذات طول المدة التي امضتها الكتيبة 104 بمنطقة أعالي النيل بجنوب السودان بعد توقيع الاتفاقية ، دون أن يتم نقلها للشمال حسب الاتفاقية والميقات المحدد ، لذا كان رفضها اطاعة اوامر التحرك للشمال وبما ادى لتمردها ولتكون بذلك النواة التي اسس بها العقيد جون قرنق قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان حركته التي كانت اكبر نتائجها انعكاسا سالبا وخطيرا على الامن القومي السوداني ، حيث كان انفصال جنوب السودان ، وهو ما تمثل الحالة الوطنية القائمة الآن احد تداعياته . ثمة هناك امر آخر لا يقل خطورة عن الذي ذكرت جاء في المادة 4 . 5 . 34 والتي نصت على .. إعادة وتنظيم وتكوين الوحدات والتشكيلات ومعالجة الترهل في القوة” وفي هذا لا تعليق على هذه الفرية التفكيكية ، غير ان حرب الكرامة ولمدة عام من بدايتها تجيب على سؤآل عن حقيقة ترهل القوات المسلحة المزعوم . في وقت نجد فيه ان كل القوات المسلحة كانت ناقصة في تنظيماتها مت القوة البشرية والتسليح بنسب كبيرة وبما يضعف من نسبة الكفاءة القتالية المطلوبة لإدارة اي نوع من انواع القتال ، والاسئلة في هذا تترى .. والذي حدث في اتفاقية جوبا للسلام أعطى للحركات المسلحة عطاء من لا يملك لمن لا يستحق وفي رعاية دولة “دولة جنوب السودان ” لا تستطيع ان تدافع عن او ان تحمي امنها القومي ناهيك من امتلاك المؤهلات التي تستطيع بها فرض تنفيذ الاتفاق ، وفي ذلك حقق إعداء السودان ما يخططون له في استراتيجيهم التفكيكية ، كما استجابت الاتفاقية لرغبات حميدتي الذي ترأس لجنة المفاوضات ، والتي منحته ما لم يكن يحلم به ويتحمل المسئولية في هذا من كلفه ليكون رئيسا لوفد مفاوضات الحكومة على المستوى السياسي ، والعسكري بالرغم من مؤهلاته الصفرية في كافة شئون الدولة ، وفي ذلك لن ألوم هذا الحميدتي ، إذ كان رئيس رئيس وزراء حكومة قحت “حمدوك” احد الاسباب الجوهرة في الذي حدث وذلك من خلال افادته عندما سألته عند الاجتماع به مباشرة بشأن ولاية شمال كردفان وضرورة منحها مسارا كما منحت هذه المسارات عند مفاوضات الاتفاقية السلام التي كانت جارية حينها لآخرين غير الجهات المعنية اصلا بمفاوضات السلام ، ان يقول وبلا تردد انه لا علم له بأي مسارات تم انشاؤها او إضافة اي جهات ذات العلاقة بهذه بمفاوضات جوبا ، ليبين هذا كم هو السودان منسي حتى في ذهن وعقلية رئيس وزراء حكومة قحت حيث البيع للاخرين بالمجان قد بدأ باكرا . كماحققت حركات الكفاح المسلح مطلوبات ما كانت تتمنى وزيادة خصما على القوات المسلحة التي كان الهدف ان تفكك ، وفي ذلك تسأل اللجنة العسكرية للمفاوضات التي كانت ثغرة تسلل من خلالها مجموعة الخبراء الاجانب ليدسوا سمهم في احشاء البروتوكولات الامنية) . لذا اقول وبناء على ما ذكرت ، وبعد انفضاض قوى اعلان الحرية والتغيير وإلغاء قانون قوان الدعم السريع التي تشتت شملها لابد من الجلوس مع اطراف اتفاقية جوبا للسلام لمعالجة الكثير من الذي جاء في البروتوكولين حتى يتم تفادي السلبيات التي قد تحدث في إطار البعد الوطني والقومي ، خاصة الموضوعات ذات العلاقة بالقوات المسلحة كمؤسسة قومية ومحايدة . وليكون هذا مدركا لقوات حركات الكفاح المسلح ، تصحيحا لبعض ما جاء وفق مفهوم خاطئ في البروتوكولات الامنية .
لا شك ان التخطيط المبكر بشأن هذه القوات على مستوى حركات الكفاح المسلح وغيرها من القوات التي تم تكوينها على مستوى المسارات وتلك التي أنشئت من قبل بعض المجتمعات التي باتت مستهدفة من قبل مليشيا الدعم السريع بهدف تحقيق أهداف سياسية وأمنية تمثل المهدد الأمني القادم والتحدي الذي سوف يواجه الأمن القومي وذلك ما يحتاج لرؤى سلطوية جادة تحقق وتعالج وتؤمن كل ما يقع في دائرة اتفاقية جوبا للسلام في إطار مفهوم قومي يؤسس للسلام والاستقرار ويعالج في ذات الوقت الدوافع التي ادت لقيام هذه المكونات العسكرية ، وفي هذا نقول ان العمل الاستباقي لابد أن يبدأ الان ، وهو ماسيأتي ذكره بإيجاز حتى تتبين الرؤى من خلاله ، فتحا لاذهان وعقول كافة من هم في دائرة المسئولية للبدء في ذلك منذ الان . ومن هنا نستعد لما سيأتي في الحلقة القادمة مسبوقا بأهميته .