مقالات الرأى

محجوب فضل بدري يكتب .. بيننا وبينكم الجنائز !!

بعدما اشتد التعذيب والسجن على الإمام أحمد بن حنبل لرفضه القول بأن القرآن مخلوق جاء إليه من علماء المبتدعة والمرجئة، فى عهد الخليفة المأمون لاقناعه بصواب رأيهم فلم يجدوا عنده إلا الإصرار على كلامه، وكان الخليفة المأمون قد كافأ هؤلاء العلماء بمناصب في الدولة، فلما استيأسوا من الإمام أحمد بن حنبل قالوا له ستموت وينساك الناس ولن يبقى لقولك أثر. فقال لهم قولته التى ذهبت مثلاً: [بيننا وبينكم الجنائز] وقد صدق ابن حنبل فقد شيَّعه وسار خلف جنازته ببغداد عام 241 للهجرة قرابة ألف ألف نسمة.

ولما رحل د.محمد طاهر إيلا عن هذه الفانية، وَجَّه الفريق أول عبد الفتاح البرهان بنقل جثمانه من القاهرة إلى بورتسودان بطائرةٍ خاصَّة، فاستنكر المدعو إبراهيم الميرغنى واستكثر ذلك على الراحل الكبير، وقارن بين اهتمام الدولة بإيلا فى حين أنها تجاهلت السيد محمد سر الختم الميرغنى فلم تنقله للعلاج بالخارج، حتى تكفل منصور بن زايد بذلك ولم توجه الدولة بعد موته بنقل جثمانه من مصر للسودان حتى فعل ذلك الفريق طه الحسين!!

ولعل الموكب الجماهيري الحاشد الذي سار خلف جنازة إيلا يكون قد أخرس الرجل وعَلَّمه أن مكانة إيلا فى قلوب أهل الشرق لم يستمدها بالتناسل أوالقداسة المتوارثة، بل بعمله المخلص الجاد وأفكاره المدهشة التى يترجمها إلى واقع معاش فى حياة الناس فى البوادي والحضر، ولم تقتصر أعمال إيلا على إزالة التلوث البصري في ثغر السودان الذى وضعت بصمة إيلا البسمة عليه ولا إقامة المهرجانات الثقافية المشهودة، بل امتدت يد إيلا إلى سائر الخدمات من صحة وتعليم ومياه شرب نظيفة ومستشفيات وسيارات إسعاف وعون غذائي مدرسي لتحفيز الأهالي على إلحاق أطفالهم بالمدارس حتى أصبح التلميذ يكفي أهله مؤونة العيش، وشجع زراعة النخيل كمورد اقتصادي ومنظر طبيعي، وزرع أشجار الزيتون لأول مرة فى السودان، وعمل على استقرار الامداد الكهربائي وأنشأ الطرق وبنى للناس البيوت بالمواد الثابتة، ووفر فرص العمل حتى لأصحاب الاعاقات البدنية، وغير ذلك كثير مما يحتاج الى سِفرٍ كامل.

رحم الله إيلا فلم يكن مجرد حاكم وزعيم بل كان أمة يموت بموته خلقٌ كثيرُ، ولم يتبع الناس جنازته لمنصبه بل لما قدمه لأهله وعشيرته ولكل سوداني في كل مكان من أرض بلادنا التي تفانى فى عشقها حتى قضى نحبه، و لم تقدم له الدولة سوى واجب بروتكولي يستحقه كل من بلغ المنصب الذى بلغه إيلا فى الـ List of State لكن الجماهير الوفية التى بادلته حباً بحب سارت خلف نعشة منتحبةً باكية بلا توجيه من الدولة، ولا دعوة من حزب، لتعيد للأذهان مقولة ابن حنبل [بيننا وبينكم الجنائز].

قال أحد أبناء جنوب السودان قبل الانفصال:- مندوكورات ديل حقاَّرين، عمر البشير عندو وجع فى ضهرو ودوهو لندن، بيويوكوان مات عديييل كده ودوهو ملكال بس!!
هذه الطرفة مهداة للجماعة اِيَّاهم !!
اللهم تقبل عبدك إيلا في الصالحين وأحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
إنَّا لله وإنَّا اليه راجعون ولا حَولَ ولا قوة اِلَّا بالله العلي العظيم.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى