مقالات الرأى

محجوب فضل بدرى يكتب … الشهادة السودانية .. شهادة حياة

إحدى أغرب الإجراءات البيروقراطية المطلوبة من المعاشيين عند ذهابهم للصرّاف بعد إثبات الشخصية، هو أن يقدموا (شهادة حياة!!) نعم شهادة حياة مع أن الشخص ماثل أمام شباك الصراف، مع مافي ذلك من تجاوز لأبسط حدود الإنسانية في التعامل مع أناس أفنوا زهرة عمرهم في العمل خدمةً لوطنهم ورضوا بالفُتات!! ولو كان ذلك بعد تقنية الذكاء الاصطناعي لربما وجدنا بعض العذر لمن وضع هذا الشرط، فقد رأينا في زمان الناس هذا الأموات وهُمْ يملأون الوسائط بنشاطهم الافتراضي.
البعاتى حميدتى،مثلاً !!

إعلان نتائج الشهادة السودانية بعد اعتمادها من قِبَل سعادة الفريق أول الركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الإنتقالى، كان مجرد إجراء روتينى ينتظره الناس في كل عام ويتبادلون التهاني وتمتلئ الصحف بالدعوات والمباركات لكل الناجحين يتصدرها بيت الشعر
(نِعَمُ الإله على العباد كثيرة
وأجلَّهُنَّ نجابة الأبناء)
لكن بعد سنتين كالحتين من الحرب الوجودية المفروضة على السودان شعباً وأرضاً وحكومة جعلتا من إعلان نتيجة الشهادة السودانية حدثاً فارقاً بل وبمثابة (شهادة حياة) للشعب وللدولة بسبب هذه الحرب العالمية على بلادنا!!

قلت لابنى إبراهيم وأنا أحاوره- قبل ظهور النتيجة- أأنت راغب فى دراسة الطب أم الهندسة يا إبراهيم؟ فقال لى بصوت ملؤه الثقة والعزم:
(شوف يا أبوى أنا لو جبت 99% فلن أدخل اِلّا الكلية الحربية، مصنع الرجال وعرين الأبطال) فأثلج قوله صدري، وزغردت له والدته فرحاً، ونجح إبراهيم بنسبة 71,7% ولله الحمد والمنة.

يقول الجياشة (رغبات القائد أوامر) .. وأقول وكذلك رغبة إبراهيم أوامر. وقد صار الجيش بفضل الله،ثم بحكمة القيادة وبحُسن الإدارة وعزم الضباط وبسالة الجنود وماحققه من انتصارات على مليشيا عيال دقلو وأعوانهم من القحاطة بمختلف تحوراتهم، فصار الجيش أنشودة على كل لسان وأيقونة فى كل عين وأصبح مثابةً للناس وأمناً، وأمنية للحاصلين على الشهادة السودانية الذين كانوا يتنافسون على دخول كليات الطب والهندسة وغيرها من الكليات النظرية، وكان دخول الكلية الحربية فى ذيل رغباتهم وأهتماماتهم!!

قال لي الراحل غازى سليمان ذات مرة: تعرف غلطتي الوحيدة أنه أنا ما دخلت الكلية الحربية!!
وقد عقلتُ قوله ذاك وكان رحمه الله رجلاً جريئاً وصريحاً ومثقفاً يعلم أن ضباط الجيش كانوا يَلُون طبقة النبلاء في الحضارات السابقة. وجاءت رغبة إبراهيم تأكيداً لقول غازي رحمه الله رحمة واسعة.

التحية والتقدير لوزارة التعليم والتربية الوطنية ولكل معلمي بلادي وهم يقبضون على جمر الرسالة التي نذروا أنفسهم لها وقد صدق فيهم قول شوقي حقاً: كاد المعلم أن يكون رسولا.

إعلان نتيجة الشهادة السودانية كان بحق شهادة حياة للأمة السودانية قبل حكومة الأمل، فقد أنارت الدروب وأشعلت شمعة الأمل وأحيت الموات في دولاب الدولة فهاهو كل شئ يسير فى تَحَسُنٍ مستمر فقد اتضح فى إعلان النتيجة شمول مراكز الامتحانات لكل أنحاء بلادنا وماجاورها مع الدقة والضبط وتغطية كل المساقات رغم بعد الشقة وطول المسافات لكن لا مستحيل تحت الشمس إذا ما صحَّ العزم وصدقت النوايا.

التحية لجيشنا (ق.ش.م.) الذي جعل كل ذلك ممكنا بفضل الله ثم بانضباطه والتزامه قيادةً وضبّاطاً وصف وجنود جانب الشعب الذى بادلهم حباً بحبٍ ووفاءً بوفاء.

التحية لطلاب الشهادة السودانية الذين كابدوا واجتهدوا ليجلسوا للامتحان في ظروف استثنائية، وتحقق لهم ما أرادوا فأسعدوا أهلهم ووطنهم قبل أن يسعدوا أنفسهم.
التحية للأولى على الشهادة السودانية لهذا العام وهى تنجح من خارج الحدود متجاوزةً مرارة النزوح واللجوء، والتحية لكريمة الشهيد شاع الدين التى تغلبت على أحزانها وتفوقت على أقرانها ورفعت ذكر الشهيد.
وتحية خاصة لابني إبراهيم وهو من أصحاب الهمم العالية وقد حرر لي شهادة حياة وهو يضع قدمه على أول الطريق الطويل لدخول الكلية الحربية السودانية مصنع الرجال وعرين الأبطال.
من جانب اعتبره أول المتقدمين لدخول الكلية الحربية السودانية، حتى قبل إعلان طلبات الالتحاق بالكلية الحربية الدفعة القادمة بإذن الله.
يجوا عايدين ضباط مركز تعليم يالله.
وأرمى قدام يا إبراهيم، ولو تعلقت همة أحدكم بالثريا لنالها.
والله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى