مقالات الرأى

مكي المغربي يكتب … زحزحة أمريكية وليس “تحول”!

أمسكت قليلا من التعليق على تصريحات ترمب عن السودان، لأنه في الوهلة الأولى تكون هنالك (خلعة) شديدة و(كبكبة) سياسيين واعلاميين، كيف لا والأمر فيه السعودية وولي العهد، حيث العطاء واحتمال دعوات الحضور حتى ولو مهرجان الجنادرية، ولذلك التعليقات والبيانات عقب القمة كانت تسجيل حضور ايجابي أكثر من كونها قراءة أو تحليل.
بداية، واشنطون والرياض لا يتركان أمرا للنقاش مؤجلا على هذا المستوى العالي، لأن التبادل والعمل السياسي المشترك بينهما أصلا متقدم على مستويات مرتفعة ويتم الفصل في القضايا قبل أي لقاء قمة، ليكون اللقاء مثل لحظة نزول السفينة الجديدة الى البحر، ولكن بناء السفينة وتفاصيل هندستها وتشغيلها استغرق زمنا طويلا، وعليه التوقف كثيرا في حديث ترمب سلبا كان ام ايجابا لا يفيد كثيرا، هو مثل طرطشة أمواج النزول.
قراءة العلاقات السعودية الأمريكية وما تم الاتفاق عليه بخصوص السودان يقرأ من مؤشرات ما قبل اللقاء، وتحديدا الموقف السعودي، لأن أمريكا أصلا لا تدير المنطقة بموقف مباشر يمثلها ولكن بالترجيح والمقايضة والتنسيق بين مواقف حلفاءها وهم مصر والسعودية والامارات وقطر وقبل ذلك اسرا-يل طبعا، وهي عملية احتواء متعدد الاطراف، يتم تحديثها باستمرار.
باختصار كان الترتيب الأمريكي-الاسرا-يلي يضع الإمارات قبل السعودية ومصر، وهذا كان واضحا في عهد الرباعية الأولى والتي أصلا لمن تكن مصر فيها، بل كانت مستهدفة من اسرا-يل عبر الإمارات، لنزع الريادة منها في كل المنطقة وليس السودان فقط.
الرباعية الثانية كانت محاولة للمساواة بين الثلاثة، وهذا يتطلب انقاذ المليشيا وليس انهاءها، والسماح بوجود جسم موازي على الارض، ليكون ذمة قانونية ودستورية منفصلة ليتحمل مسئولية الخسائر واتهامات الابادة الجماعية وشراء وتهريب الاسلحة، والتعويضات، حتى لا تتورط الأمارات في كل ذلك ويكون دورها هو التصدق على السودانيين والرأفة بهم ومسح دموع المغتصبات، وليس تحمل مسئولية جرائم المليشيا، ومن لا يوافق على هذا الحل تعاقبه أمريكا، وكان البداية بجبريل ابراهيم وكتيبة البراء للتخويف، والبقية تأتي، ومضت الامور هكذا قليلا ولم يحدث تغيير، بل كان رد الفعل السوداني خلاف المتوقع.
لم تنجح الرباعية الثانية في هذا الامر بشكله الذي تطلبه الامارات، وثبت عدم قدرة المليشيا للتأهل والتطور لهذا المستوى وهو ما أغاظ مارك روبيو، ليس أن المليشيا تقتل ببشاعة، وتبيد قبائل محددة، فهو يعلم وقاله في جلسة التثبيت في الكونغرس قبل أشهر، وترمب يعلم، وكل العالم يعلم، من السذاجة تصديق أن ترمب لا يعلم مأزق الاسلحة الأمريكية في الابادة الجماعية أو لا يعلم انها بحوزة حكومة موجودة على أرض الواقع، وهي التي كان بمقدورها افتتاح معرض لهذه الأسلحة ودعوة الصحافة العالمية له، ولكن حكومة السودان أمسكت عن ذلك وفق تفاهمات وتقديرات.
مشكلة روبيو الحقيقية وهي مشكلة امريكا الكبرى في التعامل مع أي كيان أو دولة ليس الاجرام- إنما- (عدم الفاعلية – Inefficiency) وتحديدا عدم قدرة المليشيا على كبح جماح وحشية عناصرها، وفشل الإمارات الذريع في إدارة هذا الأمر، عدم القدرة على اخفاء الجرائم، والخلاصة هي تأكد لواشنطون وبصورة قاطعة أن التسويق للمليشيا يكلف اكثر من قيمة الحفاظ عليها، وان التخلص منها بدون التصاق الجرائم بأمريكا هو ذاته أمر صعب ومعقد ويحتاج طرف غير الامارات، ويحتاج التفاهم مع حكومة السودان، ويحتاج منهج جديد، وهنا يتقدم دور السعودية ويتقهقر دور الامارات لكنه لا ينعدم بالكامل بسبب الورطة المشتركة معها.
السودان من جهته، هل يستفيد من اعادة التموضع الأمريكي والذي لا ازال أسميه (زحزحة) وليس (تحول)؟ أم سيواصل السودان في حالة الخلعة والكبكبة ويواصل السياسيون والاعلاميون في تسجيل كلماتهم في دفتر الحضور في ريسبشن السفارة السعودية سواء بمشاعر صادقة تجاه المملكة أو بدونها، لا يهم، المهم هو عدم النسيان في موسم الجوائز والدعوات.
أسئلة في بريدي: كيف الجمع بين المنهج الأمريكي الذي يميل لادارة ملف السودان عبر وكلاء، ووجود محادثات أمريكية سودانية مباشرة كما أبشر بها دوما؟
ساجيب على هذا مع شيء من الحلول، ولكن يجب أن أؤكد أنها مشكلة موروثة في السياسة السودانية وليست جديدة.
وأؤكد أنها لا علاقة لها بحالة السودان ووضعه، والا لماذا دول اصغر من السودان مثل جيبوتي وارتريا لا تعاني من هذه الظاهرة؟ وتدير معها امريكا علاقتها سلبا وايجابا دون وكلاء؟ المشكلة في السياسة الخارجية السودانية وليست في أمريكا.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى