ايمن كبوش يكتب … اليوم.. يُكرم بكم السودان ولا يُهان
قلت له: اليوم دعنا نتحدث عن تلك الذكريات الحبيبة إلى النفس.. جداول المذاكرة.. وحصص التقوية.. اهتمام الأسرة.. اعلان حالة الاستعداد التام ودق طبول الاستنفار وحالة الطوارئ ونوبة الصحيان.. الوقوف على أطراف الأصابع.. تحول البيوت والشوارع والمراكز إلى مناطق ملتهبة وخلايا نحل.. قائمة من الممنوعات.. قائمة من المحظورات.. قائمة من قوائم إحكام التنسيق مع مجموعة من شركاء النجاح.. مع بائع اللبن وبائع الفواكه وأصحاب المخابز.. ومع أساتذة المادة وكهنة التوقعات.
هذه هي ايام الدلال.. ايام الطلبات المستجابة والهدوء المشوب بالحذر والقلق الطبيعي الذي يجعل الكل يمشي على (الامشاط).. نهاية مرحلة سابقة بكل ما فيها من كد وجهد وسهر الشوق في العيون الجميلة.. والتطلع إلى بدايات مرحلة جديدة.. استشراف المستقبل.. واستشراق التمسك باهداب الامل في غدٍ أكثر اشراقاً، غد ارحب تتمدد فيه الامنيات… وتتجمع في فضاءاته سحب الاحلام العوامر.
أجيال وراء اجيال.. كتبوا سطوراً بعمق الحكايات.. عبروا من ذات الباب الى المراقي السحاب.. تفرغوا في المدن الواسعة.. التخصصات والتجربة المصقولة بتحديات الحياة.. هذا هو سودان الاشياء الجميلة، بل الاشياء التي كانت جميلة ونضيرة.. الشهادة الاقوى في افريقيا والوطن العربي.. الشهادة التي تتحدث عن جودة التعليم.. وتعرّف بقيمة المعلّم السوداني الذي تغنت لأجله الديار (قم للمعلم وفه له التبجيلا.. كاد المعلم ان يكون رسولا).. وشدون في خطب وده الحسان: (يا ماشي لى باريس.. جيب لي معاك عريس.. شرطاً يكون لبيّس ومن هيئة التدريس).. تلك هي الذكريات الحبيبة معنى ومغنى ومبنى.. ارقام الجلوس.. مراكز الامتحانات ولجنة امتحانات السودان.. والكنترول.. اساطين التعليم.. واساطين (الطبشيرة) والرؤية والبصيرة.. الأيام والشهور وحصاد اعمال السنة، تاريخ الانتقال من مرحلة إلى مرحلة وانتظار الوعد البكر… نجاحاً وفلاحا.
اليوم.. السبت الاخضر.. الموافق الثامن والعشرين من شهر ديسمبر من العام 2024 يكتب أبناء وبنات السودان سطرا جديدا في سفر التاريخ.. اليوم تُعفر الاقدام في سبيل الوطن.. وتمتد الايادي لترسم على الغيم حكاية وطن جريح مازال قادرا على النهوض من الركام.. تماماً مثل طائر (فينيق) يبعث مجددا من رماد احتراقه.. اليوم نعايش التحولات الكبيرة التي جعلت دفعة 2023 تمتحن لمرحلة جديدة في نهايات 2024 حيث لم يعد هناك مارس ولا ابريل.. اليوم يسدد جيل التحولات الكبيرة إحدى فواتير الحرب من رصيد قدرتهم على الاحتمال.
اليوم يرسم أبناء وبنات السودان واقعا جديدا يمثل امتدادا طبيعيا لملاحم معركة الكرامة، اليوم يجلس طلابنا الاماجد لامتحانات المرحلة الثانوية، بل امتحانات الشهادة السودانية، يعيدون لها البريق ليستعيدوا احاديث الذكريات عن الوطن وعن السودان الذي كان، وعن تلك السحنات السمراء التي تستطيع أن تتحدث بلغة واحدة اسمها الشهادة السودانية.
التحية لكل الذين جعلوا ذلك ممكنا.. مجلس السيادة.. مجلس الوزارة وجيشنا الباسل وروافده المعلنة والمستترة.. كلهم كانوا جدرانا صلبة يتكئ عليها هذا الوطن.. التحية لأولياء الأمور الذين سهروا الليالي، والتحية للطلاب ولكل من آمن بهذا الوطن.. والتحية لجهاز المخابرات العامة بقيادة الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل ونائبه الهميم الهمام الفريق الركن محمد عباس محمد اللبيب، حيث أطلق الجهاز مبادرة لترحيل طلاب الشهادة السودانية من والى مراكز الامتحانات تحت شعار (عشانكم)… والجهاز كسائر المؤسسات الوطنية يعمل من أجل الوطن وإليه، لذلك لا نستغرب أي مبادرة منه من أجل الوطن… والتحية كذلك للفريق أول شرطة خالد حسان محي الدين، مدير عام قوات الشرطة الذي وجه مديري شرطة الولايات بنقل طلاب وطالبات الشهادة السودانية عبر مركبات الشرطة من والى مراكز الامتحانات وهي ايضا خطوة وطنية عالية القيمة سترفع الكثير من العبء من كاهل أولياء الأمور في ظل هذه الظروف الصعبة.
التحية لكل الذين عملوا لأجل هذا اليوم التاريخي واعادوا لنا تلك الذكريات الحبيبة، ذكريات لجنة الامتحانات والمراكز المنتشرة على ربوع ونجوع السودان، ذكريات الكنترول ومعسكرات التصحيح والحراك الكبير والجهود التي تنتهي دائما بإعلان الافراح والليالي الملاح وبشريات الانتقال إلى حياة جديدة، ليت الزمن يسمح لكم ايها الاماجد الأفاضل ببدايات جديدة، وفقكم الله وسدد خطاكم وخطاويكم واعز بكم السودان حاضراً ومستقبلا.