
قلت له: عندما كانت الحرب الروسية الأوكرانية هي الشغل الشاغل للعالم باعتبارها احدث الحروب التي تدور الآن ما بين دولتين، كان هذا الانشغال فيه ما يغري للتوصل إلى آخر ما أنتجته التجارب العسكرية للقتال الجبان الذي لا يعترف بقانون الاشتباك ولا شجاعة عنترة بن شداد.. في العام الماضي أعدت (الفايننشال تايمز) تقريرا عن (حرب المسيرات) ولكنها لم تظهر من الفيل الا اذنيه، حيث كتبت: (يبدو أن عصر “حرب المسيرات” أو الطائرات من دون طيار، أخذت تعطل صناعة الدفاع كما كشفت حربا (ناغورني كاراباخ وأوكرانيا)، حيث ارتفع عدد الشركات المصنعة للطائرات المسيرة في أوكرانيا من 6 إلى أكثر من 200.. ووفقا للصحيفة البريطانية، فإن الانتشار السريع للتكنولوجيا الجديدة القوية في ساحة المعركة يؤدي إلى قلب التسلسل الهرمي لصناعة الدفاع العالمية التي يهيمن عليها كبار المقاولين منذ فترة طويلة.. وتضيف أن استخدام الطائرات المسيرة في العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا تصاعد بسرعة في العامين الماضيين.. وتقول الصحيفة كذلك إن تطوير برامج الأسلحة التقليدية يستغرق سنوات، وأحيانًا عقودًا، ويتطلب ميزانيات حكومية كبيرة، فضلاً عن مراكز بحث واختبار كبيرة، في حين أن تطوير وصناعة المسيرات لا يحتاج إلى الكثير من الأموال ولا إلى عمالة كبيرة، وبالطبع لا يتطلب مصانع شاسعة، كما هو الحال مع صناعة الدفاع التقليدية.. وفي تقريرها، نقلت الفايننشال تايمز واقعا لورشة سرية لتصنيع الطائرات المسيرة على مشارف بلدة على خط المواجهة في شرق أوكرانيا.. وفي الورشة، يعمل الجنديان بوغدان وفلاد بجد على صنع طائرات مسيرة قاتلة، حيث تحتوي الورشة الصغيرة على طابعة ثلاثية الأبعاد لتصنيع المكونات اللازمة لتحويل التكنولوجيا المصممة للمتعة أو التصوير الجوي إلى سلاح فتاك.. وأصبحت ورشة العمل الخاصة بهما مجرد جزء مما أصبح أحد أهم الصناعات في أوكرانيا.. وتقول الصحيفة إن الحرب في أوكرانيا نقلت حرب المسيرات إلى آفاق جديدة، حيث ساعدت المسيرات الأوكرانية الهجومية FPV الرخيصة والفعالة في سد بعض النقص في قذائف المدفعية الذي عانى منه الجيش الأوكراني خلال العام الماضي..)..
انتهى تقرير الفايننشال تايمز المختزل ولم ينته ما وددت قوله، إذ لم يكن التقرير الذي أعد قبل عام الا مقدمة مهمة لتفاصيل كثيرة ومخيفة في ذات الوقت عن المسيرات التي دخلت الى حربنا ضد الجنجويد الاوغاد من الباب الواسع فلم يسلم من هجماتها حتى رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش، بينما مازالت هجماتها متكررة نحو الأعيان المدنية والبنى التحتية وآخرها سد مروي الذي تعرض للهجوم مساء أمس الثلاثاء، ولكن ماذا سنعمل نحن ؟ هل سنضع أيادينا على خدنا ؟ طبعا لا ! ومن هنا لابد من إحاطة وتفسير نضعه أمام كل الذين ظلوا يكررون الاسئلة عن العلاج الناجع لهذه المسيرات.. !
ولعل ما يعرفه المتخصصون، بالضرورة، وهم من أهل المهنة العذاب، والمهنة الخطر، أن حرب السودان شهدت وجود نوعين من المسيرات، وهي باختصار غير مخل: (انتحارية واستراتيجية)، الأولى تعمل وفق احداثيات وتنطلق من داخل البلاد من حمرة الشيخ وسودري وام بادر على سبيل المثال، تحتاج لمنصة انطلاق عادية (سيبيا) وهي المعروفة لدينا محليا باسم (الزنانة) أما المسيرات من النوع الثاني (الاستراتيجية) فهي التي تنطلق من مسافات بعيدة وارتفاعات شاهقة ومحددة الأهداف تقوم باصابتها والعودة ولديها كاميرات استطلاع وتتعامل مع الأقمار الصناعية، وهي المسيرات التي تقوم حاليا بمهاجمة بعض المناطق الحيوية في الشمالية ونهر النيل، هذا امر، اما الأمر الثاني هو ذلك السؤال: ما هو الحل.. ؟
إذن الحل السريع لمغامرات مليشيا الدعم السريع، ايها السادة، هو ضرب المطارات التي تنطلق منها المسيرات الاستراتيجية، وهذا التعامل يحتاج لطائرات مقاتلة غير حاملات القنابل مثل اليوشن والانتنوف، نحتاج لطائرات مقاتلة سريعة الاطلاق سواء سوخوي 24 أو ميج 29 وهي التي تستطيع ضرب الهدف في مأمن من المضادات، أما الحل الثاني وهو حل مستقبلي بوجود منظومة دفاع جوي حديثة سواء كان الدفاع السلبي الذي يعرف بأنه دفاع وقائي… أو الدفاع الإيجابي الذي يستند على مدافع متطورة ابعد من الثنائي والرباعي، لأن مدى المسيرة الاستراتيجية بعيد جدا ولابد من وجود مدافع تتبع حراري أيضا.. هذه إمكانيات يسهل توفرها إذا توفرت إرادة الدولة لإيجاد معالجات سريعة.. ينبغي أن تتجه جهودنا نحول الحلول التي لا تحتاج لغير المال لأن العقول متوفرة والسودان لا يخلو من الشجعان.