مقالات الرأى

يوسف عبد المنان يكتب …صراع (الديك والصقر) في حزب الأمةهل بال الجنجويد في أذني الواثق البرير؟. الأمير عبدالرحمن.. متى تُفرج عن وصية الإمام المكتوبة قبل رحيله؟ اقتراب فكّ الحصار عن جبال النوبة بعزم الرجال

(1)

تصاعدت حدّة التراشقات خلال الأيام الماضية بين الأمير الفريق عبدالرحمن الصادق المهدي من جهة، وهو يمثل نبض الأنصار وموقف قواعد حزب الأمة من حرب البسوس السودانية، وبين الواثق البرير صهره، الذي يمثل تيار الجنجويد والمليشيا داخل الحزب. وقد تبادل الطرفان البيانات بعد عودة الأمير عبدالرحمن إلى أم درمان، وهي عودة تحمل رمزية مهمة للأنصار وحزب الأمة.

طاف الأمير على ما لحق بدار حزب الأمة ومسجد ودنباوي وبيت الإمام الراحل قبالة الإذاعة، وهرع آلاف الأنصار من كل فجّ عميق للقائه، فعادت الحياة إلى البيت الكبير. وللعودة معانٍ عديدة، إذ تفقد الأمير دار الأمة بشارع الموردة التي اتخذتها بعض الأسر ملجأً، وحينما طلب منهم إخلاء الدار عبّروا عن جراحهم قائلين إنهم نازحون فقدوا منازلهم، بينما يقف الحزب مع الجنجويد الذين تسببوا في مأساتهم، وبالتالي يرفضون الخروج.

بحنكته استطاع الأمير أن يقنعهم بأن قلة محدودة سرقت لسان حزب الأمة وأصبحت زمرة للمليشيا. أما صهره الواثق البرير، فقد ساءه ذلك، فأصدر بيانات تفوح منها رائحة مال الإمارات، ولغة اليسار الذي تغلغل في الحزب لسنوات، وصار يقود تاتشرات الجنجويد داخل الكيان الأنصاري النظيف.

الواثق البرير الذي جاء إلى حزب الأمة من الحزب الاتحادي الديمقراطي وطائفة الختمية، لا يعرف له تاريخ في الحزب، ولم يتأدب بأخلاق الأنصار، ولا تعلم من عمر نور الدائم الشهامة، ولا من خالد محمد إبراهيم قراءة الراتب كل صباح. لكنه تعلم من ياسر عرمان الفجور في الخصومة، وتربى على أدبيات الصراع الطبقي، وحملته مصاهرته لأسرة الصادق المهدي وتغلغله داخلها إلى منصب الأمين العام لحزب الأمة؛ منصب أحق به الفريق صديق محمد إسماعيل، والعالم الأنصاري د. حامد البشير، وإسماعيل كتر، ود. إبراهيم الأمين، بل حتى أميرة يوسف أبو طويلة، وليس الواثق البرير.

فلو لم يصاهر الإمام الصادق ويقترن بكريمته، لكان اليوم يجثو تحت أقدام محمد عثمان الميرغني، يحمل حذاءه عند مدخل مسجد الختمية. فكيف لهذا “الديك” أن يقاتل صقراً من صقور الأنصار وفارسهم الأمير عبدالرحمن، الذي حمل السلاح ضد الإنقاذ، وقاد الكفاح المسلح في همشكوريب وتلكوك، وظل أقرب المقرّبين إلى الإمام الراحل؟

(2)

منذ سقوط الإنقاذ، التي ارتقى فيها الأمير عبدالرحمن إلى منصب مساعد الرئيس بترشيح ومباركة الإمام الصادق، ظلّ الأمير خادماً مخلصاً للأنصار داخل القصر، يجسر العلاقة بينهم وبين النظام السابق. وهو من فتح نافذة الحوار بين الفريق صلاح قوش ومجموعة نداء السودان، حتى سقط النظام الذي كان أحد رموزه.

لكن، هل ينتهي تاريخ السياسي بسقوط نظام أو انقلاب؟
لقد أخطأ حزب الأمة التقدير السياسي بعد سقوط نظام مايو، حين ركب موجة إدانة سدنة مايو، وأقصى أصلب عناصره وأكثرها خبرة، فقدم هدية مجانية لا تقدّر بثمن للجبهة الإسلامية القومية التي احتضنت المايويين، ورفعتهم مقامات عليا. وبفضل رموز مايو حصدت الجبهة 51 مقعداً في الجمعية التأسيسية، أي نصف ما حصل عليه حزب الأمة.

لكن حزب الأمة لا يتعلم من تاريخه، فبعد سقوط الإنقاذ نبذ كل من تولى رئاسة محلية أو عضوية لجنة شعبية، وجاء بأمثال وزير الأوقاف مفرح، والراحل حسن شيخ الدين الذي بلغ من الكبر عتياً. فكانت تجربة الحزب في الفترة الانتقالية أشد بؤساً من تجربته في الديمقراطية الثالثة. ولو تعلم الحزب من التاريخ، لفتح أبوابه لكل صاحب عطاء، وارتقى أمثال الأمير عبدالرحمن إلى مفاصل القيادة، بدلاً من الرهان على قيادات باهتة الولاء.

(3)

جاءت حرب منتصف أبريل قبل عامين لتكتب السطر الأخير في شهادة وفاة حزب الأمة، أو انتحاره المعلن، حين أعلن رئيسه فضل الله برمة ناصر وقوفه إلى جانب مليشيا الدعم السريع. توهّم أن بندقية الدعم ستوصله إلى “رئاسة دولة العطاوة”، بينما كان هو أحد مؤسسي مليشيات المراحيل التي ارتكبت فظائع في أويل ومريال أجيت والجبال.

لقد أخطأ حزب الأمة مرة أخرى، حين جعل الواثق البرير ومريم الصادق ومحمد الحسن التعايشي وآخرين من الوافدين الجدد إلى الحزب هم أصحاب القرار. فخسر الحزب دارفور بموقفه الداعم لقتل المساليت في الجنينة، والمشارك في مذابح طويلة وزمزم، كما تلطخت ثيابه بدماء ود النورة في الجزيرة بتحريض مرتضى هباني.

في المقابل، انتفض رجال مخلصون: المحامي محمد عبدالله الدومة، الوالي موسى مهدي، إسماعيل كتر الذي حشد عشيرته لقتال الجنجويد في الفاشر، والفريق صديق محمد إسماعيل الذي انتصر لأخلاقه لا لقبيلته. فكيف لا ينهض الأمير عبدالرحمن لجمع شتات الأنصار وتوحيد صفوفهم، حتى انعقاد المؤتمر العام الذي يختار قيادة شرعية خلفاً للإمام الراحل؟

الإمام الصادق، قبيل رحيله، كتب وصيته الأخيرة، وكل أبنائه بصموا عليها. ربما لن تخرج إلى العلن إلا يوم المؤتمر العام، وحينها لن يجد أمثال الواثق البرير موطئ قدم داخل الكيان الكبير. لكن السؤال: متى يُفرج عنها لتنتهي جدلية الشرعية المزعومة ويعود الحزب إلى جادة أصالته؟

(4)

بثّت وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأسبوع الماضي تسجيلات لنازحين فارين من الجوع بالدلنج إلى منطقة كلدجي بالجبال الستة القريبة من جبل الداير والرهد. أظهرت المقاطع المروعة مقتل مئات المدنيين المحاصرين على يد الجنجويد. شاب نحيل أنهكه الجوع حمل بطنه الفارغ وناشد سكان الدلنج بالصمود، إذ أن الطريق إلى كرتالا وكدلجي مليء بالقتل على الهوية والانتماء.

أطفال ونساء وشيوخ قُتلوا بدم بارد، والشوارع غطتها أعشاب الخريف التي أخفت جثثاً نهشتها الكلاب. والسؤال موجه إلى أبناء النوبة الذين قادهم عبدالعزيز الحلو: كيف تتحالفون مع الجنجويد ضد عشيرتكم؟ كيف تضعون تاريخكم النضالي في مهبّ الريح من أجل مال الإمارات؟

لكن بعد أن ضاق الخناق بأهل الدلنج وكادقلي، نهض أبناء النوبة لفكّ الحصار، وتوحدت الرايات تحت قيادة الجنرال التوم حامد توتو، استعداداً للتحرير مهما كلف الثمن. فالإنسان أغلى من كل شيء، وقريباً ستُرفع بيارق النصر على قمم الجبال.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى