مقالات الرأى

ضياءالدين بلال يكتب… (عشان نمشي صاح)

أكاد أجزم أنه لا توجد دولة يتابع فيها تشكيل الحكومات واختيار الوزراء بهذا القدر من الاهتمام مثلما يحدث في السودان.

ومع تعاقب الوزراء وقصر فترة بقائهم في المناصب والتساهل في المؤهلات حتى أدنى الحدود أصبح سقف التطلعات مفتوحا على مصراعيه أمام كل طامح في الترقي السياسي بصرف النظر عن إمكاناته ومؤهلاته.

في السنوات الماضية كان السلاح والقبلية والانتماء الحزبي أدوات تحقق ما لا تحققه الشهادات والسير الذاتية المليئة بالإنجازات والمؤهلات الأكاديمية.

كنت أقول دائما إن الحارس الذي يقف خلف الوزير قد يحمل في داخله طموحا أن يجلس مكانه فهو يرى أنه لا يقل شأنا عمن يحرسه!

المسألة باتت مفتوحة على كل شيء والتطلعات غير موضوعية ولا يوجد أساس معياري يحسم التنافس أو يحدد آليات الترقي السياسي من يصلح لأي منصب ولماذا؟!

أضحكني المؤرخ والكاتب السوداني بروفيسور عبد الله علي إبراهيم وهو يعلق قبل سنوات على حوار صحفي جرى فيه تعريف أحد قادة الحركات المسلحة بأنه خاطف طائرة!
قال عبد الله بسخريته المحببة: في الماضي كان السياسيون يعرفون بدورهم في اتحادات الطلاب رئيس اتحاد جامعة الخرطوم أو رئيس المجلس الأربعيني أو أحد قادة ثورتي أكتوبر أو أبريل الآن أصبحوا يعرفون بخطف الطائرات!

ومع توالي التعديلات الوزارية نجد وزراء عابرين بلا أثر لا أسماءهم حفظت ولا مبادراتهم ذكرت، وزراء ينظرون إلى المنصب كفرصة لترتيب أوضاع ما بعد الخروج فيمارسون الرعي الجائر في المال العام ويمارسون مسح الخشم على بوابة الخروج.
كلما انتظروا التكليفات جاءت إليهم الامتيازات فالتزموا الصمت الخنوع والابتسامة الراضية حتى تحين ساعة المغادرة.

المقعد الوزاري يتسابق إليه الآلاف بأقدام اللهفة وشغف الرغبة،
ومن أجل السيارات الفارهة والحرس الخاص ورجال المراسم والسفريات على الدرجة الأولى والقلم الأخضر التريان تراق الدماء وتهدر ماء الوجوه!

السياسيون في المجتمعات المأزومة هم دائما النجوم.

لذلك دعوت إلى خفض القيمة المادية والرمزية للمنصب الوزاري لتقل جاذبيته إلى الحد المعقول مع تقوية أذرع الخدمة المدنية ومجالس التخطيط الاستراتيجي حتى يصبح منصب الوزير خيارا واحدا من بين خيارات أخرى أكثر جاذبية.
فمشكلات السودان لن تحل ما دامت المناصب الوزارية بكل هذه الجاذبية الاجتماعية والاقتصادية المغرية بالتنافس الشرير.
ولن تحل طالما أن لقب وزير أهم من كل الألقاب العلمية والوظيفية.

الحل قد يكون في تقليل جاذبية المنصب وتقليص صلاحيات الوزراء في حدود السياسات الكلية ومتابعة تنفيذها وعلاقات وزاراتهم الخارجية.
فالذي أقعد بالوزارات هو كثرة تعاقب الوزراء وكل وزير يريد صناعة تاريخ خاص يبدأ من لحظة جلوسه على المقعد.

وبتنفيذ وعد تشكيل حكومة كفاءات بصورة جادة وحقيقية تكون الدولة قد اختارت الطريق الصحيح الذي سلكته دول سبقتنا فبلغت غاياتها بتقديم الكفاءة على الولاء.

كلمة السر في التجربة السنغافورية كانت تغليب الاعتبارات الاقتصادية والتنموية على حسابات السياسة والاعتماد على بيروقراطية صغيرة الحجم عالية الكفاءة.
لي كوان يو مؤسس نهضة سنغافورة لخص وصفة النجاح قائلا:( اخترنا دائما الأفضل لأي مهمة أو واجب مهما كان أصله أو انتماؤه أو دينه كنا نهتم بالنتيجة فقط ونعلم أن فشلنا يعني حروبا أهلية وانهيار الحلم).

المعركة الحقيقية للحكومات ليست مع الأحزاب المعارضة ولا مع الحركات المسلحة فلا ترضيها بالمناصب ولا تحسمها بالسلاح.
المعركة الحقيقية هي معاناة المواطنين اليومية في الخدمات والعيش والحياة الكريمة.

لأجل ذلك نحتاج إلى صناعة دولة ذات سمعة طيبة وسلوك قويم إنتاجها وفير يكفي حاجتها ويغنيها عن عطايا الآخرين ويكف عنها أذاهم.
دولة يحبها مواطنوها ويحترمها الآخرون.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى