التقارير والحوارات

محمد عبدالقادر يكتب.. اعتاد الظهور فى لحظات مفصلية ودشن مرحلة جديدة للحرب …كباشي في كردفان .. رسائل الميدان والسياسة … قطع الطريق أمام ما يُشاع عن مفاوضات سرية مع الميليشيا… ليس مصادفة أن تتزامن الزيارة مع أوسع هجمات جوية بشمال كردفان..الجنرال لم ينفذ جولة روتينية، وإنما مهمة تحمل رسائل للداخل والخارج..أجابت على التساؤلات حول وجود خلافات داخل قيادة الجيش… دارفور ستكون المحطة القادمة في طريق التحرير الكامل،… أطل كباشي من قلب كردفان وهو يرفع شعار الحسم والوضوح ..«نحن ماشين للفاشر وتحرير كل السودان»،عبارة لخصت اهداف المهمة

لم تكن زيارةُ الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، نائب القائد العام للقوات المسلحة وعضو مجلس السيادة الانتقالي، إلى ولاية شمال كردفان هذه الأيام حدثاً عابراً يمكن أن يمر في سياق يوميات الحرب الممتدة منذ عامين وخمسة اشهر، فالزيارة حملت دلالات سياسية وعسكرية وأمنية لا تخطئها العين، وارتبطت بلحظة دقيقة من عمر معركة الكرامة التي يخوضها الجيش ضد ميليشيا الدعم السريع ومرتزقتها، ومنذ اللحظة الأولى لوصوله إلى مدينة الأبيض، حاضرة الولاية، بدا واضحاً أن الرجل لا يتفذ جولة روتينية، وإنما مهمة تحمل رسالة كبرى، مقصودة بعناية، إلى الداخل والخارج معاً..

لقد أطل كباشي من قلب كردفان وهو يرفع شعار الوضوح والحسم، ليؤكد أن الجيش يسير بثبات نحو النصر، وأن ساعة الحسم تقترب أكثر من أي وقت مضى.

زيارة بحجم المعركة

من يتابع خط سير الزيارة يلحظ أنها صيغت بعناية لتجمع بين الرمزية السياسية والدلالات العسكرية، فالأبيض لم تكن مجرد مدينة تستقبل نائب القائد العام، بل كانت المحطة الأولى التي أُريد لها أن تمثل انطلاقة جديدة، ومنها اتجه إلى “الخوي والنهود وود بندة”، قبل أن يعلن الهدف الأكبر : الفاشر،لم يترك كباشي الأمر للتكهنات أو الغموض، بل قالها بعبارة مباشرة: «نحن ماشين للفاشر وتحرير كل السودان»، وهذه العبارة، على بساطتها، تختصر اهداف الزيارة كلها.


مرحلة الهجوم:


العبارة إعلان أن الجيش انتقل إلى مرحلة الهجوم الواسع، وأن دارفور ستكون المحطة القادمة التحرير الكامل، لقد اتسمت كلماته بنبرة ملؤها اليقين والثقة، فبدا وكأنه لا يخاطب الجنود وحدهم، بل يخاطب الشعب السوداني كله، ليقول لهم إن المعركة تمضي في الطريق الصحيح.

لا مساومة.. لا تفاوض

ومن أهم ما ميّز هذه الزيارة أن كباشي لم يترك مجالاً للتأويل أو الاجتهادات. فقد قطع الطريق أمام كل ما يُشاع في بعض الأوساط عن احتمال وجود مفاوضات سرية أو قنوات خلفية للحوار مع الميليشيا، لقد قالها بصرامة: «لا تستمعوا للحديث الفارغ عن التفاوض، لن نتوقف عن الحرب إلا باستسلام الخونة والمارقين»،بهذا التصريح، أغلق الباب نهائياً أمام أي مساومة محتملة، وأكد أن الجيش لن يدخل في صفقات تعطي المتمردين فرصة جديدة للبقاء، إنها لغة الحسم، لغة الجيش الذي يقاتل وهو يدرك أن التضحيات الجسيمة لا تحتمل أنصاف الحلول،وما يلفت الانتباه أن هذا الموقف جاء في وقت تتكثف فيه الضغوط الدولية والإقليمية لفرض وقف إطلاق نار أو العودة إلى مسار جدة، لكن كباشي أراد أن يبعث برسالة إلى الجميع: القرار في الخرطوم، والجيش ماضٍ حتى النهاية.

جيش واحد.. قيادة واحدة

كثيراً ما راجت في الشارع السوداني تساؤلات حول وجود خلافات أو تباينات داخل القيادة العليا للقوات المسلحة أو داخل المجلس السيادي، لكن زيارة كباشي جاءت لتؤكد العكس تماماً، ففي كل اجتماع عقده مع قادة المتحركات العسكرية أو مع القوات المشتركة أمس الأول، كان يصر على أن يكرر بأن الجيش يقاتل موحداً تحت راية واحدة، وأن القيادة العسكرية تقف صفاً واحداً خلف المقاتلين. لم يكتف بالكلمات، بل حرص على نقل تحايا القائد العام الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى الجنود، وهو ما يحمل دلالة واضحة بأن القمة العسكرية متماسكة، وأن أي حديث عن انقسامات مجرد أوهام، بهذا المعنى، فإن زيارة كباشي لم تكن فقط لإعطاء التعليمات، بل أيضاً لتكريس صورة الوحدة في وقت تحتاج فيه البلاد إلى تماسك مؤسساتها أكثر من أي وقت مضى.

من الدفاع إلى الهجوم

واحدة من أهم الرسائل التي خرجت من كردفان هي أن مرحلة الدفاع قد انتهت، فقد أوضح كباشي أن الجيش لم يعد في موقع المتلقي للضربات، بل أصبح في موقع المبادرة والهجوم، وهذا ما يتضح من مسار العمليات منذ خروج الميليشيا من الخرطوم والجزيرة وسنار، وصولاً إلى شمال كردفان، حيث تتوسع دائرة الهجوم يوماً بعد يوم، هذه النقلة الاستراتيجية تعني أن الجيش يسعى إلى تحرير كامل التراب الوطني، وليس مجرد حماية مواقع بعينها، وبذلك يتحول المشهد من حرب استنزاف إلى حرب تحرير شاملة، ولعل تصريح كباشي بأن الأبيض والخوي والنهود مجرد «محطات» على الطريق إلى الفاشر يلخص طبيعة هذه المرحلة، إنها مرحلة الاجتياح المستمر، حتى استعادة آخر شبر من أرض السودان.

المواطن في قلب المعركة

لكن زيارة كباشي لم تقتصر على الرسائل العسكرية، بل حملت بعداً مدنياً وسياسيا مهماً، فقد أكد الرجل أن أمن المواطن ومعاشه يأتيان في مقدمة الأولويات، حتى في ظل الحرب، ومن هذا المنطلق، وجّه بإخلاء مدينة الأبيض من كل المظاهر العسكرية، مع الإبقاء فقط على الشرطة وجهاز المخابرات لحفظ الأمن، في خطوة مماثلة لما جرى في الخرطوم،هذه السياسة تعكس رؤية واضحة: الجيش يقاتل في الجبهات، لكن الحياة المدنية يجب أن تستمر في المدن، كما شدد كباشي على ضرورة تحسين معاش الناس وتوفير الخدمات الأساسية في شمال وغرب كردفان، بما يبرهن أن معركة الجيش ليست منفصلة عن حياة المواطنين، بل هي في جوهرها دفاع عن حقهم في العيش الكريم داخل وطن آمن.

الطيران الحاسم

لم يكن من قبيل المصادفة أن تتزامن زيارة كباشي مع أوسع هجمات جوية شنها سلاح الجو السوداني في شمال كردفان، فقد نفذت الطائرات الحربية والطائرات المسيرة ضربات دقيقة على مواقع الميليشيا امس في بارا وكازقيل وأم صميمة، أسفرت – بحسب المصادر العسكرية – عن مقتل مئات العناصر وتدمير مراكز القيادة والسيطرة ومئات العربات، لقد كان هذا المشهد بمثابة التطبيق العملي لما قاله كباشي في خطاباته: الحديث في الميدان يوازيه الفعل في السماء، وبذلك، بدت زيارته وكأنها جزء من عملية عسكرية متكاملة، تعكس التناغم بين القيادة العليا والتخطيط الميداني والتنفيذ العملي.

رسائل الداخل والخارج

لا يمكن قراءة هذه الزيارة بمعزل عن رسائلها المتعددة، إلى الداخل، أراد كباشي أن يقول إن الجيش موحد، وإن الشعب حاضر في معركة الكرامة، وإن النصر قريب، أما إلى الخارج، فالرسالة كانت واضحة: لا تفاوض، لا مساومات، ولا حلول تُفرض من الخارج، السودان يقاتل حربه بنفسه، ومن أراد المساعدة فعليه أن يحترم خياراته، وفي مواجهة دعوات مجلس الأمن والجامعة العربية لوقف إطلاق النار، بدا خطاب كباشي وكأنه يضع خطاً فاصلاً: الجيش لن يتراجع، ولن يقبل بوقف القتال ما لم يتحقق الهدف النهائي، وهو القضاء الكامل على التمرد.

الإعلان عن مرحلة جديدة

في المحصلة، يمكن القول إن زيارة الفريق أول كباشي إلى شمال كردفان لم تكن مجرد جولة عسكرية أو تفقد ميداني، لقد كانت إعلاناً عن مرحلة جديدة من معركة الكرامة، مرحلة عنوانها الوضوح والحسم والثبات، فالرسائل التي خرجت من الأبيض والخوي والنهود لم تترك مجالاً للغموض: لا تفاوض، لا انقسام، ولا توقف إلا بتحرير الوطن كاملاً، إنها زيارة أعادت الثقة إلى المقاتلين، وأشعلت الأمل في نفوس المواطنين، وأكدت أن السودان ليس أمامه سوى طريق واحد: طريق النصر المبين، مهما طال أمد الحرب أو عظمت التضحيات.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى