
تقرير : ضياءالدين سليمان
عاد حمدوك إلى المشهد السياسي في البلاد بعد نحو عامين من تقديم استقالته من رئاسة وزراء حكومة الفترة الانتقالية ليعود ليجلس على رأس تحالف “تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية” المعروفة اختصارا بـ”تقدُّم”، لطرح “رؤية سياسية ظاهرها يدعو لوقف الحرب وإعادة الإعمار”، إلا أن باطنها يحمل دعماً سياسياً لمليشيا الدعم السريع التي ارتكبت الجرائم والانتهاكات والابادات الجماعية في حق الشعب السوداني
سعى حمدوك عبر رافعته “تقدُّم” التي تحولت لاحقاً إلى “صمود” الي محاولة إنقاذ الدعم السريع،و إنقاذ مشروع حميدتي السياسي بالسيطرة على البلاد بعد فشل انقلابه على الجيش، إلا أن بواسل قوات المسلحة التي يقف خلفها جميع مكونات وفئات المجتمع السوداني افشل ودبلوماسية العمل الخارجي وافشلت جميع المؤامرات.
ومن المؤكد أن شخصية عبد الله حمدوك الذي اتت به الصدفة رئيساً لحكومة البلاد تحمل في داخلها أجندة ومخططات تأمرية على السودان توكدها مواقفه التي بدأها بكونه سبباً في ضياع ثورة الشباب قبل أن يتحول لرقعة شطرنج تعبث بها وتحركها ايادي المتأمرين على البلاد.
وخلال اليومين الماضيين أطلق حمدوك تصريحات خلال حديثه في منتدى اقيم بالإمارات اقل ما يمكن وصفها بأن مستفزة لجموع الشعب السوداني من خلال تغزله الواضح في دولة الإمارات تارة وفي حكومة الجنجويد تارة أخرى.
حلقة اولي
لم يصمد حمدوك كثيراً أمام حياده الزائف الذي ادعاه في الأشهر الأولى للحرب حينما ادعي بأن “تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية” المعروفة “تقدُّم”، الذي يرأسها آنذاك بأن التحالف يقف على مسافة واحدة من ما اسماهم طرفي الصراع الدائر، واعتبر الطرفيْن متساويَّين ليعود ويظهر ولائه لحميدتي وشلته من خلال توقيعه اتفاقاً مع الدعم السريع في يناير من العام 2024م بعد أن مرَّ حوالي عام على الحرب، التي ارتكبت خلالها مليشيا الدعم السريع انتهاكات جسيمة بحق المدنيين شملت عمليات تصفية عرقية واغتصاب وتهجير قسري وثَّقتها المنظمات الدولية؛ مما دفع حكومة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن إلى اعتبارها أعمال إبادة جماعية بحق المدنيين.وهو اتفاقاً تسبَّب في عدد من الانتقادات وأكد الشكوك التي كانت تحوم حول انحياز “تقدُّم” إلى الدعم السريع.
تصريحات مستفزة
وأثارت تصريحات حمدوك غضب قطاعات واسعة من السودانيين خلال مشاركته في اجتماعات منتدى هيلي الذي عقد بأبوظبي سيما حديثه عن دور الإمارات التي تعتبر الداعم والمخطط والمنفذ لكل جرائم الدعم السريع والتي قال إن الإمارات أكبر داعم إنساني للسودان وقدمت الكثير للسودانيين.
وقال حمدوك إن الإمارات تلعب دورا كبيرا في معالجة القضايا الإنسانية والإقليمية، ومساهمتها في تخفيف معاناة السودانيين المشردين بسبب الحرب.
يأتي حديث حمدوك الذي يعتبره قطاع واسع من السودانيين بانه أحد أذرع الإمارات في السودان لكونه يرفض إدانة تدخل أبوظبي في الشأن السوداني ويكتفي بالحديث عن أطراف إقليمية ودولية في حين أنه يقيم إقامة دائمة في الإمارات.
ومشاركة حمدوك جاءت في منتدى هيلي وهو منصة دولية سنوية تُعقد في أبوظبي، وتنظّمها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بالتعاون مع أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية.
وقال حمدوك إن التحديات التي يشهدها البحر الأحمر تُظهر الترابط الوثيق بين ست دول تتقاسم المصالح والأزمات، ما يجعل أي أزمة محلية تتحول سريعاً إلى أزمة إقليمية تستوجب معالجة شاملة ومتعددة الأبعاد.
وأضاف أن الأزمة السودانية باتت الأخطر في المنطقة، مشيراً إلى أن الحل يبدأ بوقف إطلاق نار مراقب إقليمياً ودولياً، يفتح الطريق أمام حوار داخلي جامع يعالج جذور الأزمة ويعيد الاستقرار.
حمدوك وحكومة الجنجويد
نفى رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك أن تكون حكومة الجنجويد التي أُعلن عن تشكيلها الدعم السريع مؤخرًا ذات توجه انفصالي أو تحمل دعوة لتقسيم البلاد.
وأكد حمدوك في تصريحات أدلى بها خلال مشاركته في منتدى عقد بالعاصمة الإماراتية أبوظبي،أن هذه الحكومة، وفق رؤيته، تمثل مشروعًا وطنيًا يسعى إلى تحقيق الوحدة والسلام، وليس إلى تفتيت السودان أو المساس بوحدته الجغرافية والسياسية.
وخلال مداخلته في المنتدى، شدد حمدوك على أن معالجة الأزمة السودانية تتطلب في المقام الأول وقفًا لإطلاق النار يكون خاضعًا لرقابة إقليمية ودولية، بما يضمن الالتزام به من جميع الأطراف. كما دعا إلى إطلاق حوار داخلي شامل يجمع مختلف القوى السياسية والاجتماعية السودانية، ويهدف إلى بناء توافق وطني حقيقي يضع حدًا للحرب ويؤسس لمرحلة جديدة من الاستقرار.
وفي سياق حديثه، أشار حمدوك إلى أن الأصوات المنادية بالانفصال تظل محدودة التأثير، وتقتصر على أقلية في شمال ووسط السودان، مؤكدًا أنها لا تعكس الإرادة الشعبية العامة ولا تملك وزنًا حقيقيًا في المشهد السياسي الوطني. واعتبر أن حكومة السلام تمثل خطوة نحو تعزيز الوحدة الوطنية، وأنها لا تنطلق من أي أجندة انفصالية، بل تسعى إلى إنهاء النزاع وتحقيق السلام الشامل في البلاد.
تبرأة الإمارات
مصادر موثوقة مطلعة أكدت على تصريحات حمدوك جاءت بأمر مباشر من فريق العلاقات السياسية التابع لجهاز أمن الدولة. الهدف كان واضحًا:
تبرئة الإمارات من دورها في إذكاء الحرب الأهلية بالسودان.
إبراز حمدوك كصوت “عقلاني” ينتقد الجميع… لكن وفق جدول زمني مدروس يخدم رواية أبوظبي.
على أن يركز حمدوك في المقابلات بالإنجليزية، على الدول الإقليمية متورطة”، بينما يتحاشى ذكر الإمارات بشكل صريح. أما في المقابلات باللغة العربية، فيمتدح كرم بن زايد ويتحدث بغمز عن “خذلان” سعودي مفترض.
هذا التناقض ليس عشوائيًا، بل هو جزء من استراتيجية إعلامية مدروسة تهدف إلى تبرئة الإمارات من دماء السودان وتحميل الجريمة لطرف آخر، والأهم: طمس الجرائم التي ارتكبتها ميليشيات تدعمها أبوظبي، وتشارك في تمويلها وتسليحها، بما في ذلك الدعم اللوجستي عبر شركات المرتزقة وصفقات الذهب.
شاهد مأجور
من يتابع الظهور الإعلامي لعبد الله حمدوك، لن يرى سياسيًا مستقلًا أو محللًا نزيهًا، بل شاهدًا مأجورًا يؤدي دورًا كُلف به من داخل دهاليز القصر الإماراتي.
لم يكن حمدوك يتحدث كلاجئ سياسي أو كخبير محايد، بل كمجند إعلامي يؤدي مهمة ذات أبعاد استراتيجية لصالح أبوظبي: الدفاع عن محمد بن زايد ومسح جرائمه في السودان، بل وتجميلها، بإلقاء اللوم تلميحًا وصراحة على أطراف إقليمية أخرى، خصوصًا السعودية ومصر، دون أن يجرؤ على إدانة الجهة التي تقيمه وتؤمّن له المنبر.