
تقرير : ضياءالدين سليمان
نفذ الجيش ، فجر الثلاثاء، إسقاطًا مظليًا ناجحًا وعلى دفعتين لقواته المتمركزة داخل مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في خطوة تُعد الثانية من نوعها خلال سبعة أيام.
وتحاصر مليشيا الدعم السريع مدينة الفاشر منذ أبريل 2024، وتمنع وصول السلع الغذائية والأدوية والمساعدات الإنسانية إليها، مما تسبب في انعدام بعض السلع وارتفاع أسعار المتبقية بصورة لا يستطيع السكان مجاراتها علاوة على الانتهاكات والجرائم الجسيمة التي ترتكبها المليشيا في حق المدنيين من قصف عشوائي شمل المرافق الحكومية والخدمية والقتل على اساس عرقي.
ومع تدهور الأوضاع المعيشية، كثفت المليشيا من هجماتها على المدينة خلال الشهرين الماضيين، وسط ثبات وبسالة من قوات الجيش التي استماتت عناصره في الدفاع عن المدينة والمواطنين.
التفاصيل
وقالت مصادر عسكرية وشهود عيان إن “طائرة شحن من طراز أنتونوف حلّقت عند الساعة الثالثة والنصف فجرًا على ارتفاع عالٍ، قبل أن تُفرغ حمولتها من الإمدادات في مناطق يسيطر عليها الجيش، دون أن تتعرض لاعتراض من الدفاعات الجوية التابعة للدعم السريع”.
وأضافت المصادر أن طائرة أخرى عادت بعد نحو ساعتين ونفذت عملية إنزال ناجحة داخل مواقع سيطرة القوات المسلحة.
وأوضحت المصادر أن الإمدادات شملت ذخائر متنوعة ومواد غذائية وأدوية منقذة للحياة، وصلت إلى المواطنين والي وحدات الجيش الذين كانوا يواجهون أوضاعاً إنسانية حرجة جراء الحصار المفروض على المدينة.
للمرة الثانية
ويأتي هذا الإسقاط في وقت شهدت فيه الفاشر خلال الأيام الماضية اشتباكات عنيفة، بعد أن تمكنت مليشيا الدعم السريع من الوصول إلى مقار رئيسية للجيش، من بينها سلاح الإشارة والسلاح الطبي والدفاع الجوي، قبل أن يتمكن الجيش والقوات المشتركة والمستنفرين من صد الهجوم واستعادة السيطرة على تلك المواقع وتكبيد المليشيا المتمردة خسائر افقدتها عدد كبير من قادتها الميدانيين.
وفي 29 سبتمبر المنصرم، تمكن الجيش من إيصال الإمدادات العسكرية لقواته هناك بعد أيام من نشاط مكثف للطائرات المسيّرة التي قصفت مواقع في منطقة “جقوقو” شرق الفاشر، كانت مليشيا الدعم السريع قد نصبت فيها أنظمة دفاع جوي متطور يشرف عليها مرتزقة كولومبيون،ومن جنوب السودان
قبل أن تتمكن قوات الجيش من تنفيذ الإسقاط الثاني خلال أسبوع لتدحض به سيطرة المليشيا على الأجواء في الفاشر وتؤكد مقدرة الجيش على تنفيذ خططه العسكرية بكل سهولة ويسر.
وتوقف الجيش منذ أبريل الماضي عن إمداد قواته في عاصمة شمال دارفور الخاضعة لحصار خانق، بعد أن أسقطت دفاعات الدعم السريع مقاتلة تابعة له فوق أجواء المدينة.
مزاعم المليشيا
وكانت قيادات المليشيا تعوّل على منظومات الدفاع الجوي في منع طيران الجيش من إيصال اي إمدادات عسكرية لقواته وظهرت عدد من القادة الميدانيين في مقاطع فيديوهات مصورة بأن لا يمكن للطيران ان يحلق مجدداً في سماء الفاشر
قد ظلت تؤكد مرارًا أن منظومات الدفاع الجوي والتشويش الإلكتروني التي حصلت عليها من دولة الإمارات جعلت سماء الفاشر “محرّمة” على الطيران السوداني، وأن “لا شيء سينزل على سكان المدينة من السماء سوى المطر”.
لكن العمليتين الأخيرتين نسفت تلك المزاعم، وأعادتا ترتيب أوراق المعركة في شمال دارفور واعلنتا بصورة غير مباشرة فك الحصار الجوي عن الفاشر
خداع إماراتي
مصادر عسكرية أكدت أن المليشيا، بتنسيق مباشر مع ضباط إماراتيين، عمدت إلى تجريب عدة أنظمة صينية الصنع من فئة SHORAD، بينها منظومات FK-2000 وFB-10A، في محاولة يائسة لخلق مظلة دفاعية تحمي مقراتها وطرق إمدادها من القصف الجوي المستمر. إلا أن نتائج هذه التجارب جاءت كارثية؛ إذ فشلت الأنظمة في اعتراض المسيرات ذات السرعات المنخفضة والمقطع الراداري الصغير، ما جعلها عاجزة أمام هجمات دقيقة ومتكررة ألحقت خسائر فادحة في العتاد والأفراد.
ورقم تطور منظومة FK-2000، المصممة لمواجهة الأهداف القريبة والمتوسطة، لم تتمكن من تحقيق أي نسبة اعتراض فعالة بسبب قصور في منظومة الرادار والتتبع أمام الطائرات التركية المتطورة مثل “بيرقدار TB2” و”أكانجي”، اللتين يستخدمهما الجيش بكفاءة عالية في مهام الاستطلاع والهجوم. أما منظومة FB-10A، التي رُوِّج لها كحل أكثر مرونة، فقد فشلت بدورها في بيئة الحرب السودانية بسبب ضعف التكامل بين وحدات الإطلاق ونظام القيادة والسيطرة، إضافة إلى محدودية المدى الفعلي للصواريخ الموجهة بالأشعة تحت الحمراء.
وبينما يواصل الجيش عملياته الجوية الدقيقة باستخدام المسيرات الحديثة، يتضح أن الرهان الإماراتي على التكنولوجيا الصينية لم يمنح المليشيا أي تفوق ميداني، بل كشف ضعفها التنظيمي واعتمادها على تجارب مرتجلة غير مبنية على عقيدة دفاعية متكاملة. في المقابل، تبدو المصانع الصينية المستفيد الوحيد من هذه الفوضى، إذ تحصل على بيانات ميدانية حقيقية لاختبار أنظمتها ضد واحدة من أكثر أدوات الحرب تطورًا في العقد الأخير: المسيرات التركية.