في وقتٍ لا يزال جرح الفاشر ينزف، وقلوب السودانيين تئن تحت وطأة الحرب، اختار وزير المعادن نور الدائم طه أن يصرف الأنظار عن قضايا الوطن الكبرى، ليخوض معاركه الشخصية داخل قطاع المعادن، ويسفر عن نواياه الحقيقية، ويخلق أزمة جديدة في واحدة من أكثر المؤسسات حساسية وأهمية في السودان.
الوزير الذي جاءت بها ملابسات سياسية في غير مكانه، ولم يبرأ بعد من تداعيات فضيحة صفقة “ديب ميتالز” وما أثارته من جدل وعدم شفافية، يسعى اليوم لفتح جبهة صراع جديدة في الشرق، عبر محاولاته المستمرة للهيمنة على شركة الموارد المعدنية، المؤسسة الوطنية التي يقودها الشاب الكفء محمد طاهر عمر.
لقد فشل الوزير في إخضاع المدير العام لرغباته، فلجأ إلى تشكيل لجان محاسبة خارج سلطاته، وتجاوز حدود اختصاصاته القانونية، في تغولٍ واضح على صلاحيات إدارة الشركة، والهدف – كما يبدو – هو إقصاء محمد طاهر عمر وتعيين شخصية موالية يمكن التحكم فيها، في مخالفة صريحة للوائح التي تنص على أن تعيين مدير الشركة من صلاحيات رئيس الوزراء حصراً.
لكن الحقيقة التي يحاول البعض طمسها هي أن محمد طاهر عمر نجح في واحدة من أصعب المراحل التي مرّ بها السودان، ورغم الحرب وتعطل عديد من مربعات التعدين، تمكن من تحقيق إنتاج أكثر من 53 طناً من الذهب، بإيرادات تجاوزت 699 مليار جنيه، وحصيلة صادرات قاربت مليار دولار خلال التسعة أشهر السابقة من هذا العام، كما بلغت تحويلات المجتمعات المحلية 33 مليار جنيه، وحققت إيرادات التعدين التقليدي نسبة نمو غير مسبوقة بلغت 506% مقارنة بالأعوام السابقة، يكفي أن الأرقام تحدث عن نفسها، دعك من بقية الانجازات.
إن محاولة النيل من هذا النجاح الواضح تمثل تهديداً خطيراً لقطاع التعدين الوطني، وتكشف نوايا مريبة تجاه المال العام. فالمطلوب اليوم ليس خلق أزمات جديدة، بل حماية المؤسسات المنتجة من الصراعات الشخصية ومن تغول السياسة على الإدارة.
السودان في حاجة إلى من يرمم، لا إلى من يهدم، ويحتاج نور الدائم أن يكبح جماح هذه الشراهة التي تحركه، فهو وزير لكل السودانيين، وفي زمن الحرب، يصبح الحفاظ على الكفاءة والنزاهة واجباً وطنياً لا يقل أهمية عن الدفاع عن الأرض.
