مقالات الرأى

الفريق اول ركن محمد بشير سليمان يكتب .. القوات التي تقاتل في حرب الكرامة .. رؤية مستقبلية (1)

يقصد بهذه القوات ، تلك القوات خارج تنظيم القوات المسلحة والقوات النظامية التي تتبع لمؤسسات الدولة القومية النظامية الاخرى ، وتقاتل في ذات الوقت في حرب الكرامة ، متضمنة قوات حركات الكفاح المسلح المرتبطة باتفاقية جوبا للسلام والقوات التي تتبع للوسط النيلي وشماله ، ومكونات الشرق المسلحة ، ولعل القيمة الوطنية التي افرزتها حرب الكرامة هنا انها غيرت المفاهيم المغلوطة والرؤى السالبة التي كان ينظر بها للقوات المسلحة في كثير من قطاعات المجتمع السوداني  ومن ثم فلا ضرورة لها وان وجدت  فلا يوجد مبرر لأن يتم الصرف عليها خصما على ميزانية التنمية ، علما بأن الواقع اليوم يؤكد ، بل أكد ألا تنمية بدون أمن .. كما أكدت في ذات الوقت الا وطن ولا أمن قومي يتحقق عبره الاستقرار والسلام ومن ثم التنمية والحداثة للوطن دون وجود قوات مسلحة قادرة ورادعة يكون قوامها الشعب بكامل قطاعاته في مكون قومي مواجهة وتصد للمهددات والتحديات الامنية والوطنية ، وذلك هو المنهج الذي تقوم عليه الحياة ، وتؤكده الحالة الدولية التي نعيشها الان في إطار سعي كافة الدول لحماية ذاتها من كافة المهددات التي يعيشها العالم في ظل النظام العالمي القائم على مفهوم الهيمنة الشاملة تحقيقا لها عبر القوة الشاملة ، وفي ذلك كانت وقفة ووحدة الصف الوطني السوداني قتالا في حرب الكرامة تصديا للاستهداف الذي في حقيقته استهداف يتم قي ظل الهيمنة والنظام العالمي الجديد ، والذي يتطلب الوحدة وتجهيز القوة للتصدي لآلياته المتعددة والتي تمثل الامارات العربية المتحدة وارسرائيل احد مؤسساته .

مع كل ماذكرت ومع اعتبارات وقفة تلك القوات مع القوات المسلحة تصديا للاستهداف الذي تشن فيه مليشيا الدعم السريع حربا بالوكالة ضد الدولة السودانية بهدف إزالة الدولة من موقعها الحالي تفكيكا وتغييرا ديموغرافيا لصالحها ولتحقيق أهداف بعض القوى الإقليمية والدولية وعلى رأسها الحلف الأمريكي صهيو إماراتي متضمنا رغبات بعض قوى الجوار والقوى الاقليمية والعالمية ، إلا اننا لايمكن أن نغفل العوامل الكبيرة والتي كانت سببا في نشوء أو تأسيس هذه القوات التي أصبحت واقعا لا يمكن تجاوزه الان ولا يمكن اغفاله  نهاية حرب الاستهداف القائمة الآن افتراضا وعودة السلام والاستقرار ، بحيث يتم وضع السلاح أرضا .. أي إعادته لمستودعاته متبوعا بعودة منسوبي هذه القوات إلى اعمالهم العادية التي كانوا يمارسونها قبل حرب الكرامة .

وفقا لما جاء في الفقرة السابقة ، لعله من المنطق والعقل تثبيت الا أشخاص أو جهات تكون لها مؤسسة قتالية دون أهداف أو أسباب وحقيقة ذلك نؤكدها بدءا وواقعا من خلال ما جاء في اتفاقية سلام جوبا ونصا في ديباجة بروتوكول الترتيبات الامنية لمسار دارفور التي حددت ان نضالها كان من اجل .. “الحرية والسلام والعدالة والمساواة وتعزيزا للمصالحة الوطنية” ومن ثم فإن القول الحق يؤكد ان المفهوم من حيث الأهداف ، ان ما من قوة مسلحة تقاتل في حرب الكرامة  الا ولها أهداف اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية ، تم تاجيلها تأكيدا على ان الاسبقية الدفاعية تأتي لصالح حماية وتأمين الوطن كهدف استراتيجي قومي تأتي دونه كافة الأسباب والدوافع .

وفقا لما سبق لا بد من الإشارة للأسباب التي دفعت لنشأة القوات الاخرى  غير النظامية التي باتت واقعا عند الدولة السودانية والتي لاشك أنها تعتبر وضعها خرقا بل عامل ضعف كبير في جسد الأمن القومي السوداني خاصة بعد انتهاء الحرب حيث لا جيش غير الجيش القومي الواحد ، وفي ذلك لا بد من اعتبارها لدى مخططي السياسة والأمن القومي ، أي  ضرورة معالجتها معالجة دراسية بحثية تحدد الخطوات والاجراءات الشافية وبما يحقق استدامة السلام والاستقرار ، واحسب ان الحرب لا تعتبر معوقا أو ان البيئة الآن ليست جاهزة للعمل السلطوي الفاعل لوضع الخطط المؤجلة لتكون الحلول جاهزة للتنفيذ عند تحقيق السلام وبما يمثل اكبر حائط جداري لمهددات الامن القومي المستقبلية ، والبيان اكثر فآن اسباب تعدد انشاء أجسام مسلحة غير نظامية تتأتى من الآتي:

* لا شك ان اتفاقية سلام جوبا تمثل اكبر واخطر الأسباب التي دفعت في قيام أجسام عسكرية غير حركات الكفاح المسلح وذلك لأسباب ان الاتفاقية جاءت غير عادلة في معالجتها للقضايا التنموية على المستوى القومي من خلال مفهوم التوازن التنموي ، والاخطر في هذا ان الاتفاقية جاءت وفق رؤى وخطة قوى اعلان الحرية والتغييير مجموعة “قحت” ، ويعضد ذلك انها وضعت فوق الوثيقة الدستورية وذلك ما يحتاج لمراجعة وتصحيح لهذا المفهوم . من خلال قراءة وطنية تؤسس لها الحركات الموقعة على هذه الاتفاقية .

*  كذلك أدى سماح مؤتمر جوبا للسلام لقيام بعض المسارات داخل الدولة السودانية وبما يؤسس لسحب البعد القومي من المركز ودعم التجزئة الإقليمية إلى تفكير بعض الكيانات في انشاء قوات مسلحة لها لتكون وسيلة ضغط على المركز تتحقق عبرها المطالب .

* أدى خطاب الكراهية الحاد الذي مارسته بعض عناصر حركات الكفاح المسلح وفجرت فيه حواضن مليشيا الدعم السريع وعلى مستوى قياداتها الاهلية تجاه بعض الاثنيات إلى ان تعيد هذه الاثنيات قراءتها للمشهد الوطني السياسي وما كان لها من ملاذ غير التهيوء والاستعداد لحماية ذاتها من هذا التهديد الذي كم كان حقيقيا من خلال ممارسات مليشيا الدعم السريع التي كانت تتجاوز الخيال الإنساني سوءا في الممارسات .

* أيضا كان للاستهداف العنصري لبعض الاثنيات الشمالية تهديدا وصل مرحلة ان تتم من خلاله الابادة الجماعية لها مما ادى بهذه الكيانات لأن تتهيأ عسكريا لترد الشر عنها .


كل ذلك وغيره مثل الدوافع التي قادت لقيام أو نشوء قوات مسلحة خارج الإطار القانوني المعلوم والمسموح به لحمل السلاح .

قبل الدخول إلى جوهر الموضوع هنالك حقيقة يجب أن تكون مدركة لكافة الأطراف السودانية والتي تتمثل في أن وجود قوات شبه عسكريةعلى مستوى معظم دول العالم امر طبيعي  كما هو كمثال ، قوات المجاهدين في الدولة الباكستانية ، ولكن يتأتى هنا الاختلاف في الهدف او الاستخدام ، إذ ان مثل هذه القوات شبه العسكرية تخضع خضوعا تاما للقوات المسلحة الرئيسة للدولة دستورا وقانونا وتنظيما وادارة وتدريبا وتسليحا ومهاما قتالية ، إذ تكلف في أغلب الأحيان بالقيام بواجب المجهود الثانوي في العمليات التعرضية او في الاحتياط أو النسق الثاني في العمليات الدفاعية ، ولعل بعض الأنظمة السياسية السودانية سارت في نفس المفهوم ولذلك لم تكن لها  أبعاد سياسية مطلبية منفصلة عن السلطة الحاكمة كما القوات التي تقاتل الان في حرب الكرامة  ، إذ كانت تؤدي واجباتها القتالية كجزء من القوات المسلحة وحسب .

لأن إثبات المواقف الوطنية المتجردة واقعا مربوط بالواقع الحقيقي التطبيقي فقد انهزمت المواقف الوطنية وفي أوج انتصارات القوات المسلحة لتتحول بعض القوات لقوة ضغط عسكري حين بدأ  رئيس الوزراء الدكتور كامل ادريس في تكوين حكومته مصطدما باتفاقية جوبا عبر بعض مكونات هذه الاتفاقية وبما كاد ان يحدث خللا في مسار الحكم الوطني استقرارا . لذلك كان لابد من القراءة السليمةلواقع ما بعد تحقيق السلام بمشيئة الله حيث لن تكون اتفاقية جوبا للسلام وحدها تأثيرا في المشهد السياسي الكلي عبر وجود الحركات المسلحة التي يتم حتى حينها تنفيذ البروتوكولات الامنية الخاصة بها . لذا وتفاديا لأي انتكاسات وطنية تؤثر على الاستقرار والأمن يتطلب الأمرتشكيل اللجان المختصة مع التخطيط والبحث والدراسة وعقد الورش والسمنارات والمنتديات منذ الان اعدادا لمتطلبات مرحلة ما بعد الحرب . على ان يشارك في هذا كل القادة والفاعلين مسئولية عن كافة القوات التي تقاتل في حرب الكرامة لتفادي تعقيدات المشهد السياسي والأمن حينها . علما بأن التحجج بأن الحرب لا تمكن من تحقيق البيئة لذلك قول مردود . إذ وقت الحرب يمثل افضل البيئات للتطوير والتحديث والتخطيط للمستقبل ..

@ ونواصل في الحلقة التالية حديثا عن رؤى المستقبل والقوات المقاتلة في حرب الكرامة .

20 /  9 /  2025

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى