ايمن كبوش يكتب … ( شغل الجيش وفقه المباصرة)
قال لي: للاسف الشديد أن أغلب السودانيين في الخدمة العامة والقطاع غير المنظم من مطحوني (رزق اليوم باليوم)، حياتهم ومعاشهم، يتماشى تماما مع رتوق وثقوب الموازنة العامة للدولة، لدرجة أن غالبية شعبنا تصالح مع الواقع الكئيب من خلال تأصيله العجيب للأزمات واستعانته ببيت الحكمة السودانية لتصدير بعض الامثال التي تصلح كمسكنات لكنها لا تعالج عيوب الميزانية أو الموازنة، فقالوا: (لو كترت عليك الهموم، اتدمدم ونوم).. ولعله النوم ذات نفسه الذي تواضع كثيرا مع ما رددته الفنانة العربية المصرية (ام كلثوم): (لا اطال النوم عمرا.. ولا نقص العمر من طول السهر)..
يكفينا من يقين السودانيين، حقا، ايها السادة، هذه القناعات الموحية، وهذا الاصطبار المريب الذي يمكن أن يدفع أحد المستنفرين للتضحية بحياته، والقتال مع جيشه الوطني ومبلغ (استخلافه) المالي لا يتجاوز مبلغ مائة ألف جنيه، وهي بحساب السوق تساوي 40 دولارا، تزيد أو تنقص فهي في النهاية لا تساوي شيئا ! ولكنها باختصار.. محبة الاوطان.
لولا هذه المحبة المركوزة عند اغلب السودانيين، عدا القحاتة والجنجويد، لاصبحنا اليوم تحت احكام وركام مملكة آل دقلو، ولاصبح محمد حمدان بيننا أميرا أو ملكا وسيدا يدين له السودان، صحيح أن مقالي السابق عن (الجيوش التي تقاتل بلحم بطنها) قد فتح الكثير من مغاليق الجراح، ولكنه فتح مجيد، يعبر عن اعتراف كبير من الشعب، بمجاهدات هؤلاء الأبطال، ويحض المسؤولين على الانتباه.
في هذا المقام والمقال، سعدت بالكثير من الرسائل فأخترت منها اربع لأن المساحة لا تفي بحاجتنا للنقاش والحوار والجدل، فجاء النشر حسب اقدمية السيد الفريق وثلاث لواءات حيث كتبوا: (طالعت مقالك عن جيوش تقاتل بلحم بطنها فى تعقيبك على حديث السيد وزير الدفاع عن التزام الجيش بالقانون الدولى الانسانى.وهو امر معروف بالضرورة عن الجيش السودانى ولايحتاج لتأكيد لان جيشنا معروف بمهنيته ورفد معظم الجيوش بتجربته وبقادة علماء وتدرب فى كليته ومعاهده واكاديمياته ضباط من مختلف الدول ولايحتاج ان يشغل نفسه بطنين ذباب موائد العمالة والارتزاق وحرى بالجميع ان يلتفت(بعد أن التف حوله) إلى احتياجات منسوبيه واسرهم ولهم حاجة وبهم خصاصة ورغم ذلك يتدافعون لحماية الوطن ولايسالون الناس الحافا ولو سألتهم حاجتهم لقالوا عايزين عتاد عسكرى و(فك لجام) ولايذكرون الذين تركوهم خلفهم من اطفال زغب الحواصل لاماء ولاشجر .ونساء ومسنين ومرضى.. ولاننا نعلم ضيق ذات اليد فلابد من قيام نفرة وتفكير وتدبير وتجهيز لزيادة دخولهم وليتنا نتداعى رجال أعمال.. وراسمالية..وأهل المال ان نحدد جعلا منا وتجعل الحكومة لهم جعلا من ضريبة او مردود إيرادات. وينطبق هذا الامر على كل القوات بلاشك والمستنفرين..فلتنطلق منك المبادرة وقد حركت الساكن ونثق ان الجميع سيسهم فى دعم وقود معركة الكرامة لتظل جذوتها متقدة مشتعلة تضئ هنا وتحرق هناك.. سلم يراعك وظل منافحا ومدافعا عن الحق والحقوق والاستحقاق)..
ثم الرسالة الثانية: (اشكرك كثيرا بس داير أؤكد لك ان التطرق الى الموضوعات التي تلامس معاش الفرد العسكري امر مهم مع علمنا التام باقتصاديات البلد، فالعسكري يقاتل وهو لا يعرف اين اسرته ؟ اكلت او شربت و من وين ؟ الابن مريض وثمن العلاج غير معروف من اين، الزوجة في المستشفى والمصاريف عدم لانه في الأصل صارف 100 الف جنيه وناس الميز دايرين منه 20 الف جنيه ج المتبقي 80 الف جنيه سوف يرسل منها 50 الف للزوجة والاطفال، وملوة الذرة كم هو سعرها وكذلك الويكة والدكوة دع عنك (اللحوم) والخضار من طماطم وغيرها، إذن المرأة (راسها دايش) والعسكري (راسو دايش) وفوق هذا كله يتساوى مع قائده في شكل الظروف وعلى القائد أن يتحمل مشاكله الخاصة ومشاكل عساكره وهناك العدو الذي يقاتلونه بضراوة في ظروف صعبة انتم ادري بها).
والرسالة الثالثة: انا سعيد بهذا التواصل معك دون سابق عهد او معرفة إلا عبر كتاباتك المقروءة الواسعة الانتشار و لكن أكثر ما جذبني هو ما تطرقت اليه قبل يومين في مقالك بعنوان ( جيوش تقاتل بلحم بطنها) اعتقد هذا المقال أكثر مقال جدير بالاحترام أكثر من طلب الصواريخ و الطيران و بهذا قد فزت دون غيرك و هنا يكمن سر الأسرار، امض والله معاك).
والرسالة الأخيرة.. (لا فض فوك أستاذنا الفاضل.. لقد عبرت بما في دواخل أخوتك فى القوات النظامية التى تستحى دوماً من الحديث في مثل هذا الأمر المهم وخاصة فى مثل هكذا أوقات).