على ضوء ذكرى الإستقلال … الأحزاب السياسية … حملة تفتيش
تقرير : ضياءالدين سليمان
لا أحد يستطيع الانكار بأن تاريخ الأحزاب السياسية في السودان قبل الاستقلال يشكل جزءًا مهمًا من تاريخ الحركة الوطنية السودانية. خلال تلك الفترة ، فالقوى السياسية في السودان بدأت تتشكل كرد فعل طبيعي على السياسات الاستعمارية التي كان ينتهجها المستعمر في السنوات التي سبقت العام 1956م ،
فمطالب الاستقلال والحكم الذاتي جاءت بناء على توجهات قادتها القوى السياسية وتماشت مع وجدان الشعب السوداني الذي كان يتوق الي الانعتاق من المستعمر الذي ينهب الثورات ويستمتع بالخيرات ويمارس أبشع انواع الذل والظلم.
فما بين الأمس واليوم تخلّت بعض الاحزاب عن أهدافها الوطنية الداعمة لوحدة البلاد وضمان سيادتها وتبدلّت المواقف السياسية وارتمت بعضها في أحضان الخارج الذي يتآمر على البلاد وأهلها.
أهداف مشتركة
تعددت الأحزاب ما قبل الاستقلال وتباينت أهدافها وايدلوجياتها الا انها أهدافها الرامية الي نيل البلاد لإستقلالها كان هماً مشتركاً بين تلك الأحزاب فحزب الاتحاد السوداني وجمعية اللواء الأبيض الذين تكونا في العشرينات ونادي الخريجين الذي تأسس في الثلاثينات واحزاب الأشقاء، الأمة، الشيوعي ، الوطني الاتحادي ، الاخوان المسلمين الذين تكونوا في الأربعينات كلها كانت لها تأثير شكّل وجدان الشعب السوداني تجاه الاستقلال فجميعها كانت تتميز بتنوع أيديولوجياتها وأهدافها ، إلا أنها جميعها كانت تعبّر عن طموحات وتطلعات مختلفة للمجتمع السوداني في مواجهة الاستعمار وقد أسهمت هذه الأحزاب في تشكيل الوعي الوطني وقادت النضال من أجل الاستقلال
خلافات وأنشقاقات
وبالنظر الي تجارب القوى السياسية السودانية القديمة منها والتي تكونت حديثاً نجد أنها جميعها لم تسلم من أمراض الخلافات التي تقود في نهاية المطاف الي إنشقاقات وهو عكس ما كانت تنادي به جميعها بالحفاظ الوحدة والتلاحم
فالحزب الواحد قد انشق منه وعنه العديد من الأحزاب التي تحمل نفس المسمى، وتتمسك بنفس الصفات والشعارات التي قامت عليها في عبثية سياسية لا تجدها إلا في السودان، وهذا ما يصوّر لك مدى دكتاتورية تلك الأحزاب وأن لا صوت فيها يعلو على صوت الزعيم.
ولأن فاقد الشيء لا يعطيه لا اعتقد أن تستطيع تلك الأحزاب أن تقدم أي حل سياسي يُخرج السودان من أزماته التي تُعد تلك الأحزاب جزء منها وهي في حد ذاتها تحتاج إلى حل لأزماتها التي تعاني منها .
فالقضية ليست قضية إصلاح في الحكم وحل أزمة، بل قضية ثروة وحصص وزارية تسعى إليها تلك الأحزاب ضاربة بوعودها وشعاراتها النضالية عرض الحائط ، ناسية أو متناسية المواطن السوداني المغلوب على أمره الذي صار مُستغل سياسيا أسوأ استغلال حيث تتبنى قضيته بعض الأحزاب التي تسعى لجعله سُلم ترتقي به لتحقيق مطامعها ومطامحها الشخصية وهي الوصول إلى سُدة الحكم.
تجارب سيئة
تتبارى الأحزاب والقوى السياسية في ادعائها بأنها ترتكز على ارساء الديمقراطية في ممارستها للنشاط السياسي وهو حديث تكشف زيفه التجارب السياسية المشوهة التي قدمتها تلك الأحزاب في الفترة ما بعد الاستقلال التي شهدت عدة حكومات بعضها ديمقراطية أتت عن طريق صناديق الانتخابات والبعض الآخر عبر الانقلابات العسكرية أو حكومات انتقالية امتطت فيها الأحزاب ظهر الثورات التي اطاحت ببعض الأنظمة
فالقاسم المشترك في كل تلك الحكومات هي التجارب الفاشلة التي قدمتها الأحزاب في الحكومات الديمقراطية لتلجأ أحزاب المعارضة الي ارتداء ثوب الجيش لاعتلاء السلطة عبر انقلاب عسكري يحكم البلاد لفترة طويلة لاتنتهي الا عبر ثورة شعبية تسرق بواسطة أحزاب
فخلاصة القول أن الديمقراطية التي تتحدث عنها الأحزاب لا تعدو كونها شعارات براقة وصنم عوجة تأكله تلك عند وصولها للسلطة اخرها مافعلته أحزاب قوى الحرية والتغيير بعد سطوها على ثورة ديسمبر التي اطاحت بالانقاذ وقدمت أسوأ تجربة لنظام الحكم في البلاد.
عمالة وارتزاق
أبرز ما ميّز القوى السياسية في الفترة ما قبل الاستقلال وحتى وقت قريب من تاريخ السودان هو عدم إرتباطها مع أي أجندة خارجية وأنها دائماً ما تعمل على دعم السيادة الوطنية وان مفهوم الاستقلال لديها مرتبط بالتحرر من التخابر ضد البلاد الا انه مؤخراً ظهرت بعض القوى السياسة ذات الارتباط العميق مع دول تضمر العداء للسودان وهو عين ما يحدث الآن لا سيما بعد الحرب حيث تعمل تنسيقة القوى الديمقراطية المدنية تقدم بصورة صارخة يوضح عمالتها وارتزاقها في دعم مليشيا الدعم السريع ذات الأجندة الخارجية اما بتوقيع اتفاق سياسي مع المليشيا المتمردة على غرار ما حدث في أديس أبابا في يناير من العام المنقضي أو بالصمت على الجرائم والانتهاكات التي إرتكبتها
فاحزاب مثل حزب الأمة القومي والتجمع الاتحادي تعتبر الأحزاب الرائدة في الاستقلال الا انها مؤخراً تراجعت عن ادوارها الوطنية وغرقت في مستنقع من العمالة والارتزاق.
هذا مع الاخذ في الاعتبار أن هنالك قوى سياسية وطنية لعبت ادواراً بارزة في دعم القوات المسلحة باعتبارها المؤسسة الشرعية التي تعمل في الحفاظ على سيادة البلاد وصون كرامتها.
خاتمة
تبدلّت مواقف القوى السياسية وتخلت عن ادوارها الوطنية في السنوات الأخيرة الأمر الذي تراجعت معه البلاد القهقري وباتت في حاجة الي تجارب سياسية جديدة تتجاوز الملعب السياسي القديم وتقديم نموذج وطني يدعم القوات المسلحة والقوات النظامية الأخري لاحداث تحول ديمقراطي حقيقي يفضي الي سلام دائم وإستقرار ووحدة وطنية