
يقول الاديب الفرنسي بول فاليري : “الرجل العظيم هو من يترك الآخرين في حيرة بعد وفاته”..ولكن يبدو ان كيكل قد اختار ان يحير الناس قبل وفاته ،فما احدثه الرجل من ضجه منذ انضمامه للمليشيا وحتي خروجه منها …جعل الرأي العام يتحسس ملفاته ويفتح دفاتره لتجريمه والحد من تحركاته ،بينما ظل ابو عاقلة يتحسس سلاحه متنقلا ما بين تمبول وبارا … رغم انتقاص البعض لادواره واجترار ذكري سقوط مدني وكيف كان عونا للمليشيا في الدخول اليها …عملا بمقولة “الما عندو خير في اهلو ما عندو خير لاحد”.
ويقول شكسبير : “معاودة الكفاح بعد الفشل تشير إلى معدن الرجال” وهو ما فعله كيكل ،فقد احدث دخوله ساحة القتال بجانب القوات المسلحة فارق كبير في مجري العمليات لصالح الجيش خاصة في تحرير مدني وسنجة فهو ملم بخطط العدو وكيفية تفكيره ،منطبقاً عليه مقولة ابو القدح بعرف محل يعضي اخوه” ،وقد كانت عضته في مكمن الالم …فما ان سقطت مدني حتي تتابعت بعدها المدن بالسقوط في ايدي الجيش.
ظهور أبو عاقلة محمد أحمد كيكل في الساحة العسكرية والسياسية بدء منذ عام 2022، فقد ظهر وقتذاك وهو يرتدي زي الجيش السوداني، ويضع رتبة اللواء على كتفيه خلال عرض عسكري، في منطقة البطانة بشرق ولاية الجزيرة، التي ينحدر منها، وشكل، مع ضباط آخرين، ما عُرِف بقوات “درع البطانة “، ثم لاحقاً درع السودان ،والتي تهدف إلى القضاء على التهميش السياسي والعسكري الذي يعاني منه وسط السودان، بحسب بيان أصدره هؤلاء الضباط وقتها،ومنذ ذاك الوقت ظل كيكل بعيدا عن الانظار مشتغلاً بالزراعة والتجارة…ومع اندلاع حرب 15 ابريل 2023م ظهر كيكل مرتديا كاكي الدعم السريع…متامرا ً باوامر…معيناً حاكما علي الاقليم الأوسط في اطار تقسيمات الدعم السريع لحكم الولايات .
توجس الكثيرين من خطوة انضمام كيكل للقوات المسلحة ،والبعض اعتبره جاسوسا ، ولا يؤتمن جانبه ، مرت الايام بل عامين وكيكل متقدم صفوف القتال، غير مبالي بما يثار ضده هنا او هناك ….حيث جعل قواته تحت أمر الجيش ، تتحرك وفق اهدافه واستراتجيته في تحرير محاور القتال المختلفة دون ان يضع مقابل ذلك منصبا في مجلس السيادة ،كما فعل اسلافه ، بتواضع حسده الناس عليه اختار كيكل ميدان المعركة سكنا له حتي اشفق عليه المشفقون ورددوا علي مسامعه قولهم لماذا لم يبلغ كيكل التمام في بورتسودان كما فعل انداده من قوي الكفاح المسلح…
لم يعرف لكيكل ميول سياسي وظل هكذا ، علي سجيته البدوية فلم يختلط بالمنظرين ولم يجالس المحبطين والسياسيين ،وانصاف المثقفين ،حتي اعابوا عليه ذلك .
لكل أمر يحدث هناك اشاره او اماره يريد الله ان ينتبه لها من وقع عليهم البلاء…ومن هذه الإشارات لاهل الوسط ان اجتمعوا علي قلب رجل واحد …فوسط السودان عرف بالتسامح ورفد البلاد بالمثقفين، فوقع عليه من الظلم والتهميش كما في كل انحاء البلاد ، ولكن اهله كان يؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم قصاصه ” …ومع حرب المليشيا هذه لم يسلم الوسط من نيران الجنجويد…فما كان من اهل الوسط الا التداعي لاثبات وجودهم ،وكان كيكل هو فزاعتهم لرد الاعتبار.
التف حول كيكل كل ابناء الوسط ،متدثرين بثياب المناطقية وسقوط كل الواجهات التنظيمية ، وهو فعل يشبه الي حد ما حميدتي لابناء جلدته وجلبهم تحت ستار الاتيان بالديمقراطية ومحاربة معاتيه دولة 56 علي حسب قولهم ….فلم يبقي منهم أحد ،فهل فطن أبناء البطانة لبواطن الأمور .
وحتي لا يكون كيكل وجها اخر لحمدان عليه ابعاد نفسه من القيل والقال والابتعاد عن الشلليات واصحاب الماديات…
الدرع بهذا الحجم من القوات والقادة الخبرات ليس درعاً للوسط فحسب ،بل اسما علي مسمي درعاً لكل السودان …حماية لامنه الاقتصادي وأمنه الاجتماعي .
فيا اصحاب النظر القصير والتفكير المكير ابعدو عن الدرع ودعوه يدرع ويدرأ كل سوء عن هذه البلاد والعباد.
أخيراً…
روى لنا التاريخ أن الصليبيين بعثوا بأحد جواسيسهم إلى أرض الأندلس المسلمة، وبينما الجاسوس يتجول في أراضي المسلمين إذا به يرى غلاما يبكي وأخر بجواره يطيب من خاطره، فسأله الجاسوس: ما الذي يبكي صاحبك؟ فقال الشاب: يبكي لأنه كان يصيب عشرة أسهم من عشرة في الرمي، لكنه اليوم أصاب تسعة من عشرة. فأرسل الجاسوس إلى الصليبيين يخبرهم: ((لن تستطيعوا هزيمة هؤلاء القوم فلا تغزوهم)) , ومرت الأعوام وتغيرت الأحوال وتبدلت معها الهمم والهموم، وجاء الجاسوس الصليبي إلى أرض المسلمين مرة أخرى، فرأى شابين أحدهما يبكي والآخر يطيب خاطره، فسأله الجاسوس: ما الذي يبكي صاحبك؟ فأجابه: إنه يبكي لأن فتاته التي يحبها قد هجرته إلى غيره. فأرسل الجاسوس إلى قومه: ((أن اغزوهم الآن فإنهم مهزومون))
فهل يغزونا وكيكل فينا…