مقالات الرأى

(20 ملاحظة) بشأن الاستنفار والتعبئة العامة

بقلم – الصوارمي خالد سعد
1 . أولا وبكل قوة الترحاب نبارك ونؤيد الإعلان عن الاستنفار والتعبئة العامة، وما أقوله هنا هو دعم وتأكيد عليه حيث تجدر الإشارة إلى أشياء ضرورية بدونها يكون الاستنفار ناقصاً، فالتعبئة العامة والاستنفار ليس عسكرياً فحسب، وإنما يشمل كل التخصصات بكل مؤسسات الدولة.

  1. يجب الإشارة إلى إن أخطر شيء على أمن أي دولة إنما هو تعدد الجيوش والحركات المسلحة وانتشار السلاح خارج مظلة جيشها. وبالذات السلاح الثقيل والمركبات العسكرية. فالاستنفار ليس لتكوين جيوش جديدة وإنما لدعم الجيش القائم.

3 . ينبغي الإشارة كذلك إلى أن الأخطر من تكوين الجماعات المسلحة أن تكون هنالك دبلوماسيات متعددة خارج دبلوماسية الدولة تسمح لجهات مسلحة ممارسة عمل دبلوماسي خارج مظلة مجلس الوزراء ووزارة الخارجية، وذلك بأن يُسمح لمجموعات مسلحة بالتواصل مع دول الجوار والدول الأخرى، فتبني تلك المجموعات نفسها داخلياً وخارجياً فيصبح عدونا معنا في مساكننا ومؤسساتنا ومكاتبنا وعلى حدودنا!! التعبئة العامة تستدعي تصحيح الأخطاء، وإلا فستتغلب علينا الأخطاء وتهزمنا مهما نجحنا في تعبئتنا.

  1. الآن .. هنالك خطر كبير على أمن الدولة وهي تعلن الاستنفار والتعبئة العامة إذا كانت هنالك أخطاء في الاستنفار، لأن الخطأ أيضاً سيعبئ نفسه ويستفحل. فلا يجب أن نعبئ الجهات الخطأ.

5 . الصواب هو أن تستنفر الدولة شعبها للانضمام لقواتها المسلحة ودعمها وإكمال نقص الجيش، وليس بناء جيوش إضافية، وعلى القوات المسلحة فتح باب التجنيد واسعا. ويجب أن ينضم الشباب لصفوف القوات المسلحة بطريقة منظمة وفق اللوائح العسكرية ليصبح لنا جيش نظامي له القدرة على الإستغناء عن هذا الكم الهائل من الحركات المسلحة والجيوش العشوائية. فنحن بهذه الجيوش الجرارة خارج مظلة القوات النظامية لا أمن لنا ولا استقرار ولا تقدم ولا ازدهار وإنما إهدار للمال العام والخاص فالجماعات المسلحة كلها تستهلك ولا تنتج.

  1. الفاشر وغيرها من المدن قد سقطت بينما هنالك مئات الآلاف من البنادق المرفوعة خارج مظلة الجيش. فما أغنت عنا شيئا. بل شوشت على الجيش وأضعفت سيطرته على الموقف وانفراده بالقوة. فالتكن التعبئة العامة دفعاً للجيش ووقوفا خلفه ليؤدي مهامه المنوط به القيام بها أصالة عن نفسه ونيابة عن شعبه.
    ٧ . الاستنفار من أجل العمل العسكري يكمن في استنفار الشعب لاستعواض ورفد القوات المسلحة بالرجال والدعم اللوجستي فقط، وليس أن يحارب المدنيون جنبا إلى جنب مع الجيش. وذلك منعا لظهور المليشيات والغوريلات.

8 . إذا استوفت القوات المسلحة حقها من الحاجات التي تحتاجها من شعبها فإنه يمكنها إلغاء دور الحركات والجماعات المسلحة خارج مظلة القوات المسلحة، فإن الدعم السريع الذي نريد محاربته بالجماعات والمجموعات المسلحة هو في حد ذاته جماعة مسلحة فكيف نعالج الداء بالداء؟

9 . البنود الخاصة بتنظيم الحركات والمجموعات المسلحة في اتفاقية جوبا للسلام يجب معالجتها بإجازة الفيدرالية وتطبيقها على القوات الفيدرالية ببساطة لتصبح تلك القوات فيدرالية لها شرعيتها الكاملة في أراضيها المخصصة لها فيدرالياً. علما بأن الفيدرالية هي إحدى البنود الجوهرية التي أجازتها إتفاقية جوبا. وعلماً بأن احتلال دارفور بالكامل من قبل قوات الدعم السريع فرض سياسات أخرى مختلفة تتصل باتفاقية سلام جوبا ينبغي تفسيرها بدقة والعمل بموجبها.

10 . نحتاج سريعاً في هذا الاستنفار بناء جيش قوي يعزز الفيدرالية ويجعل أبناء كل ولاية يعتزون بحماية أنفسهم بأنفسهم.

11 . لا نحتاج لتجييش كل الشعب. فهنالك من لهم أجندة وأيدولوجيات مخالفة لنهج الدولة أو الحكومة أو حتى الشعب نفسه. فكيف نعطي السلاح لأيدلوجيات مجهولة؟

12 . الاستنفار العام يجب ان يكون على مستوى الإصلاح الشامل لمؤسسات الدولة. فيجب تصحيح خطة الإستنفار العام والتعبئة لتشتمل وتركز على إصلاح كل مؤسسات الدولة، ليصبح هم الشعب إصلاح كل مؤسساته وليس فقط المؤسسة العسكرية.

13 . لقد تبين لنا ولكل العالم أن دارفور بها خلل اجتماعي واضح هو سبب كل مشاكلها. فهنالك قبائل متنافرة غير متمازجة ولا تستطيع أن تتعايش مع بعضها وتحتاج منا لإصلاح شأنها، فواجب الدولة أن تنظر الى الخلل فتعالجه لتتوقف الحرب. فالخلل في دارفور اجتماعي في المقام الأول وليس عسكرياً.

هذا الخلل الاجتماعي الخطير تنتقل عدواه الآن بسرعة لبقية أقاليم السودان، وذلك بنزوح أبناء دارفور للأقاليم الأخرى بنفس مراراتهم ومشاكلهم فينقلون الصراع الإثني إلى بقية الأقاليم. وهذا خطر يهدد كل مكونات الدولة ومؤسساتها، وستشتعل كل الدولة بسبب هذه العدوى. فيجب أن يركز الاستنفار العام على معالجة الخلل في دارفور وليس محاربة أحد مكوناتها المتمثلة في الدعم السريع. فالاستنفار يجب أن يكون اجتماعيا ثم سياسيا ثم اقتصاديا ثم عسكرياً، ليكون العلاج شاملا.

14 . لدى مراكزنا للبحوث والدراسات الاستراتيجية بخبرائها كثير من الحلول التي لا يمكن تنفيذها أبدا إلا بمساعدة الدولة. ومنها إعادة تخطيط الأقاليم فيدراليا. لأن الفيدرالية حل سياسي واجتماعي. وهذا بالضبط هو ما يحتاجه إقليم دارفور الذي يعيش صراعا مراً بسبب التعدد الإثني، وحيث لا يمكن أن يكون لكل إثنية ولاية خاصة بها فالعلاج يكمن في جمع العرقيات المتعايشة إلى بعضها في كل وحدة فيدرالية يحميها الدستور، وهذا ما يسمى بالاندماج الوطني الذي هو شرط أساسي في تكوين الدول، وبدونه لا ينصلح حال دولة أبداً، فيجب الامتثال للدراسات العلمية لعلاج مشاكلنا، فالحلول العسكرية هي آخر الحلول. ولابد من علماء الاجتماع والجيوبولتيك ليتقدموا صفوف التعبئة العامة والاستنفار.

15 . يجب وضع حد للصراعات الدارفورية الدارفورية قبل أن نفكر في محاربة عدو قادم من دارفور يتمثل في الدعم السريع أو أي حركة مسلحة. الحل الأساسي هو إصلاح شأن مجتمع دارفور، وذلك بخلق وحدات فيدرالية أو ولايات فيدرالية تستوعب التصحيح الديمغرافي، بحيث يكون لكل وحدة فيدرالية خصوصيتها وحدودها الديمغرافية التي يحميها الدستور كما هو الحال في أثيوبيا.

دارفور الآن هي نقطة ضعفنا وهي أزمتنا الماثلة منذ عقود وقد عجزنا عن حل مشاكلها الاجتماعية، والآن جاء إعلان الاستنفار بسببها، فيجب أن نفرض عليها الحلول الجذرية فرضا حتى لا تشتعل مرة أخرى وعلى كل أبناء دارفور بلا استثناء المشاركة في وضع الحلول. فدارفور لن يأتينا منها خير لم نصنعه فيها، وخير ما نبذره فيها الآن هو الفيدرالية.

13 . على السيد رئيس الوزراء في حكومة الأمل تطبيق الاستنفار العام في كل الوزارات ومؤسسات الدولة حسب التخصص المدني وليس عسكرياً.

14 . نذكر الناس بأن دارفور عاشت أكثر من ثلاثمائة عاما تنعم بالسلام تحت حكم سلطنة الفور بدون صراعات تذكر، وكان سبب ذلك السلام هو الاستقرار والالتزام الديمغرافي الصارم لكل قبيلة بمناطقها. هذا يدل على أن الفيدرالية المبنية على التصحيح الديمغرافي الصارم هي الحل الناجع، لتعيش المجموعات البشرية أو القبائل المتعايشة مع بعضها في سلام تكفله لها حدود جغرافية صارمة في كنف دولة واحدة هي السودان.

  1. هذا الحل يستوجب إعادة تخطيط ولايات دارفور على الأساس الديمغرافي لإنهاء الصراعات الدارفورية الدارفورية والتي تضطر فيها القوات المسلحة دائما للتدخل فتتحول المواجهة إلى الصراع معها وبالتالي مع الدولة وبالتالي مع الشعب، وهذا يجعل السودان شعباً تتصارع مكوناته وتنتفي عنه صفة (الإندماج الوطني) اللازمة لتكوين أي دولة مستقرة.

16 . لست أنا صاحب نظرية الاندماج الوطني، ولا أكاد وإنما هي فكر سياسي اجتماعي ناضج يتبناه خبراء بناء الدول ويعرفونه بأنه “دمج الجماعات المختلفة داخل الوطن الواحد وصهرها لتشكل كلا واحداً متجانسا”. والإندماج لا يحصل في فترة زمنية قصيرة وإنما يحتاج لفترات زمنية طويلة قد تمتد لعشرات السنين أو لقرون. وقد لا يحدث الاندماج الوطني أصلاً إذا كانت النزاعات كبيرة، والفيدرالية هي بمثابة فترات انتقالية تعيش فيها الولايات الفيدرالية في سلام فيما بينها فيحدث الاندماج الوطني بالتواصل بينها بهدوء.

17 . على الدبلوماسية السودانية أن تتذكر أنه ما عقدت اتفاقية سلام سودانية قط منذ الاستغلال وحتى الآن إلا وكانت الولايات المتحدة الأمريكية على رأسها، تخطيطاً وترتيباً وتمويلاً، وبالتالي لابد للدبلوماسية السودانية من وضع حسابات دقيقة جداً للملف الأمريكي في السودان. وانه لا ينجح شيء إلا بعد معالجة أمر هذا الملف، وهذا يدل دلالة قاطعة على أن الولايات المتحدة الأمريكية تتبنى مصالح استراتيجية عظمى في السودان، منها ما هو مرئي ومنها ما هو خفي، ولا تنوي أمريكا التخلي عن برامجها في السودان. ولا أدعو للانصياع لها ولكني أحذر بأن الولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة لنا بين اثنين لا ثالث لهما، أما عدو قاهر أو صديق ماكر، ولا صفة لها معنا غير هاتين الصفتين، فإن عاديناها فعلينا الترتيب الدقيق لعدائها، وإن قبلناها صديقا فعلينا أخذ الحيطة والحذر لمكرها، وهذا يتطلب منا عملا دبلوماسيا دقيقا جدا ومرهقاً.

19 . كما قد تحدثت سابقا أن السودان دولة بلا حليف دولي استراتيجي قوي، وهذا يجعلها دولة في مهب رياح الدول الكبرى ودول الجوار ودول المصالح المحدودة، فنحن ندور الآن في فلك العولمة مرغمين ولابد لنا أن نفعل ذلك، والأحلاف سنة سياسية دولية مهمة. ولا نجاح للدبلوماسية دون أحلاف، فيجب ألا تخلو تعبئتنا العامة من معالجة هذا الملف المهم، ملف التحالفات الدولية.

  1. أخيراً، إن ما أقوله هنا ليس اعتسافاً أو تخطى لحدود اختصاصي فالضباط في مجال الحرب النفسية يتلقون الدراسات والدورات في مجال الجيوبولتيك والتنظيم السياسي (الوضع السياسي للجيش بين جيوش المنطقة) والتنظيم الإداري وغير ذلك من مجالات لها علاقة بالحروب السياسية والاقتصادية وحروب الإعلام والحروب الباردة وحرب النجوم وغيرها. ويدرسون ذلك كذلك في دراساتهم بالأكاديمية العسكرية العليا. وأسأل الله نصراً حاسماً لقواتنا المسلحة واستقراراً ناجزاً لشعبنا الأبي الصابر

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى